من تكلف تركناها. فإن قلت: كيف يتم أن المراد من حفظها على ما هو قول جمع من المحققين ولم يأت بعددها حديث صحيح؟. قلت: لعل المراد من حفظ كل ما ورد في القرآن وفي السنة الصحيحة وإن كان موجودا فيهما أكثر متسعة وتسعين فقد حفظ التسعة والتسعين في ضمنها فيكون حثا على تطلبها من الكتاب والسنة الصحيحة وحفظها.
10 - (وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ص):
من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثنا أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان. المعروف: الاحسان، والمراد من أحسن إليه انسان بأي إحسان فكافأه فقد بلغ في الثناء عليه مبلغا عظيما، ولا يدل على أنه قد كافأه على إحسانه بل دل على أنه ينبغي الثناء على المحسن. وقد ورد في حديث آخر الدعاء إذا عجز العبد عن المكافأة مكافأة ولا يخفى أن ذكر الحديث هنا غير موافق لباب الايمان والنذور وإنما محله باب الأدب الجامع.
- 11 (وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي (ص) أنه نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل متفق عليه) هذا أول الكلام في النذور. والنذر لغة: التزام خير أو شر، وفي الشرع التزام المكلف شيئا لم يكن عليه منجزا أو معلقا، واختلف العلماء في هذا النهي، فقيل: هو على ظاهره، وقيل بل متأول. قال ابن الأثير في النهاية: تكرر النهي عن النذر في الحديث وهو تأكيد لامره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال لحكمه وإسقاط للزوم الوفاء به، إذا كان بالنهي يصير معصية فلا يلزم، وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك الامر لا يجر لهم في العاجل نفعا، ولا يصرف عنهم ضرا ولا يرد قضاء فقال: لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله تعالى لكم أو تصرفون به عنكم ما قدر عليكم، فإذا نذرتم ولم تعتقدوا هذا فاخرجوا عنه بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم ا ه. وقال المازري بعد نقل معناه عن بعض أصحابه: وهذا عندي بعيد عن ظاهر الحديث. قال: ويحتمل عندي أن يكون وجه الحديث أن الناذر يأتي بالقرب مستثقلا لها لما صارت عليه ضربة لازب، فلا ينشط العقل نشاط مطلق الاختيار، أو لان الناذر يصير القربة كالعوض عن الذي نذر لأجله فلا تكون خالصة ويدل عليه قوله: إنه لا يأتي بخير. وقال القاضي عياض: إن المعنى أنه يغالب القدر والنهي لخشية أن يقع في ظن بعض الجهلة ذلك. وقوله: لاح يأتي بخير معناه أن عقباه لا تحمد. وقد يتعذر الوفاء به وأن لا يكون سببا لخير لم يقدر فيكون مباحا. وذهب أكثر الشافعية - ونقل عن المالكية - إلى أن النذر مكروه لثبوت النهي عنه. واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة لأنه لم يقصد به خالص القربة وإنما قصد أن ينفع نفسه أو يدفع عنها ضررا بما التزم. وجزم الحنابلة بالكراهة، وعندهم رواية أنها كراهة تحريم، ونقل