وقوله (ص): وقتاله كفر دال على أنه يكفر من يقاتل المسلم بغير حق وهو ظاهر فيمن استحل قتل المسلم أو قاتله حال إسلامه، وأما إذا كانت المقاتلة لغير ذلك فإطلاق الكفر عليه مجازا ويراد به كفر النعمة والاحسان وأخوة الاسلام لا كفر الجحود، وسماه كفرا لأنه قد يؤول به ما يحصل من المعاصي من الرين على القلب حتى يعمى عن الحق فقد يصير كفرا أو إنه كفعل الكافر الذي يقاتل المسلم.
8 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث متفق عليه المراد بالتحذير من الظن بالمسلم شرا نحو قوله: * (اجتنبوا كثيرا من الظن) * والظن هو: ما يخطر بالنفس من التجويز المحتمل للصحة والبطن فيحكم به ويعتمد عليه، كذا فسر الحديث في مختصر النهاية.
وقال الخطابي: المراد التهمة ومحل التحذير، والنهي إنما هو عن التهمة التي لا سبب لما يوجبها، كمن اتهم بالفاحشة ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك. وقال النووي: والمراد التحذير من تحقيق التهمة والاصرار عليها وتقررها في النفس دون ما يعرض ولا يستقر فإن هذا لا يكلف به، كما في الحديث تجاوز الله عما تحدثت به الأمة أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل ونقله عياض عن سفيان. والحديث وارد في حق من لم يظهر منه شتم ولا فحش ولا فجور، ويقيد إطلاقه حديث احترسوا من الناس بسوء الظن أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي والعسكري من حديث أنس مرفوعا، قال البيهقي: تفرد به بقية، وأخرج الديلمي عن علي رضي الله عنه موقوفا: يحرم سوء الظن وأخرجه القضاعي مرفوعا من حديث عبد الرحمن بن عائذ مرسلا، وكل طرقه ضعيفة، وبعضها يقوي بعضا ويدل على أن لها أصلا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: أخوك البكري ولا تأمنه أخرجه الطبراني في الأوسط عن عمر وأبو داود عن عمرو بن الفعواء. وقد قسم الزمخشري الظن إلى واجب ومندوب وحرام ومباح، فالواجب: حسن الظن بالله، والحرام: سوء الظن به تعالى وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن الحديث، والمندوب: حسن الظن بمن ظاهر العدالة من المسلمين، والجائز: مثل قول أبي بكر لعائشة: إنما هو أخواك أو أختاك، لما وقع في قلبه أن الذي في بطن امرأته اثنان. ومن ذلك سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث، فلا يحرم سوء الظن به، لأنه قد دل على نفسه، ومن ستر على نفسه لم يظن به إلا خير، ومن دخل في مداخل السوء اتهم، ومن هتك نفسه ظننا به السوء. والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها أن كل ما لا تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراما واجب الاجتناب، وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح، ومن عرفت منه الأمانة في الظاهر، فظن الفساد والخيانة به محرم، بخلاف من اشتهر بين الناس بتعاطي الريب فنقابله بعكس ذلك. ذكر معناه في الكشاف. وقوله: فإن الظن