وفي الحديث دليل ظاهر على شرف الفقه في الدين، والمتفقهين فيه على سائر العلوم والعلماء. والمراد به معرفة الكتاب والسنة.
5 - (وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
ما من شئ في الميزان أثقل من حسن الخلق أخرجه أبو داود والترمذي وصححه) وتقدم الكلام في حقيقته بما لا يحتاج فيه إلى الإعادة لقرب عهده.
6 - (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): الحياء من الايمان متفق عليه. الحياء في اللغة: تغير وانكسار يلحق الانسان من خوف ما يعاب به وفي الشرع: خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير فحق ذي الحق، والحياء وإن كان قد يكون غريزة فهو في استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فلذلك كان من الايمان. وقد يكون كسبيا، ومعنى كونه من الايمان أن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، فيصير كالايمان القاطع بينه وبين المعاصي. وقال ابن قتيبة: معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الايمان، فسمي إيمانا كما يسمى الشئ باسم ما قام مقامه، والحياء مركب من جبن وعفة. وفي الحديث الحياء خير كله ولا يأتي إلا بخير. فإن قلت: قد يمنع الحياء صاحبه عن إنكار المنكر وهو إخلال ببعض ما يجب فلا يتم عموم أنه لا يأتي إلا بخير. قلت: قد أجيب عنه بأن المراد من الحياء في الأحاديث الحياء الشرعي. والحياء الذي ينشأ عنه ترك بعض ما يجب ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة وإنما يطلق عليه الحياء لمشابهته الحياء الشرعي، وبجواب آخر: وهو أن من كان الحياء من خلقه فالخير عليه أغلب، أو أنه إذا كان الحياء من خلقه كان الخير فيه بالذات فلا ينافيه حصول التقصير في بعض الأحوال. قال القرطبي في المفهم شرح مسلم: وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع له النوعان من الحياء المكتسب والغريزي وكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان في المكتسب في الذروة العليا (ص).
7 - (وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت أخرجه البخاري. لفظ الأولى ليس في البخاري بل في سنن أبي داود، ووقع في حديث أبي حذيفة إن آخر ما تعلق به أهل الجاهلية من كلام النبوة الأولى إلى آخره أخرجه أحمد والبزار، والمراد من كلام النبوة الأولى ما اتفق عليه الأنبياء ولم ينسخ كما نسخت شرائعهم، لأنه أمر أطبقت عليه العقول. وفي قوله: فاصنع ما شئت قولان: الأول أنه بمعنى الخبر أي صنعت ما شئت وعبر عنه بلفظ الامر للإشارة إلى أن الذي يكف الانسان عن مدافعة الشر هو الحياء، فإذا تركه توفرت دواعيه على مواقعة الشر حتى كأنه مأمور به، أو الامر فيه للتهديد أي اصنع ما شئت فإن الله مجازيك على ذلك. الثاني، أن المراد انظر إلى ما تريد فعله فإن كان مما لا يستحى منه فافعله وإن كان مما يستحى منه فدعه ولا تبالي بالخلق.