وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي (ص) بقطع يدها). الخطاب في قوله أتشفع لأسامة بن زيد كما يدل له ما في البخاري أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، قالوا: من يكلم رسول الله (ص) ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله (ص)؟ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع - الحديث وهذا استفهام إنكار، وكأنه قد سبق علم أسامة بأنه لا شفاعة في حد. وفي الحديث مسألتان: الأولى: النهي عن الشفاعة في الحدود، وترجم البخاري في بباب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان، وقد دل لما قيده من أن الكراهة بعد الرفع ما في بعض روايات هذا الحديث. فإنه صلى الله عليه وسلم قال لأسامة لما تشفع لا تشفع في حد فإن الحدود إذا انتهت إلي فليس بمتروكة. وأخرج أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب وصححه الحاكم. وأخرج أبو داود والحاكم وصححه من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حالت شفاعته دن حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره وأخرج ابن أبي شيبة من وجه أصح عن ابن عمر موقوفا، وفي الطبراني من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ فقد ضاد الله في ملكه. وأخرج الدارقطني من حديث الزبير موصولا بلفظ اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه.
وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير قال: لقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل: حتى يبلغ الامام فقال: إذا بلغ الامام فلعن الله الشافع والمشفع قيل: وهذا الموقوف هو المعتمد. وتأتي قصة الذي سرق رداء صفوان ورفعه إليه صلى الله تعالى عليه وسلم ثم أراد أن لا يقطعه فقال صلى الله عليه وسلم: هلا قبل أن تأتيني به ويأتي من أخرجه. وهذه الأحاديث متعاضدة على تحريم الشفاعة بعد البلوغ إلى الامام وأنه يجب على الامام إقامة الحد، وادعى ابن عبد البر الاجماع على ذلك، ومثله في البحر. ونقل الخطابي عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذية الناس وغيره فقال: لا يشفع في الأول مطلقا وفي الثاني تحسن الشفاعة قبل الرفع. وفي حديث عن عائشة أقيلوا ذوي الهيئات إلا في الحدود ما يدل على جواز الشفاعة في التعزيرات لا في الحدود، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك. المسألة الثانية في قوله: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده وأخرجه النسائي بلفظ استعارت امرأة على ألسنة ناس يعرفون وهي لا تعرف، فباعته وأخذت ثمنه وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن أن امرأة جاءت فقالت: إن فلانة تستعير حليا فأعارتها إياه فمكثت لا تراه فجاءت إلى التي استعارت لها فسألتها فقالت: ما استعرتك شيئا فرجعت إلى الأخرى فأنكرت فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاها فسألها فقالت: والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال: اذهبوا إلى بيتها تجدوه تحت فراشها فأتوه وأخذوه فأمر بها فقطعت. والحديث دليل على أنه يجب القطع على جحد العارية. وهو مذهب أحمد وإسحاق والظاهرية. ووجه دلالة الحديث على ذلك واضحة فإنه صلى الله عليه وسلم رتب القطع على جحد العارية. وقال ابن دقيق العيد: إنه لا يثبت الحكم المرتب على الجحود