والتناصح والعدل والانصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة. والرحم الخاصة: تزيد بالنفقة على القريب وتفقد حاله والتغافل عن زلته. وقال ابن أبي جمرة: المعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا في حق المؤمنين. وأما الكفار والفساق فتجب المقاطعة لهم إذا لم تنفع الموعظة. واختلف العلماء أيضا بأي شئ تحصل القطيعة للرحم، فقال الزين العراقي: تكون بالإساءة إلى الرحم، وقال غيره: تكون بترك الاحسان، لان الأحاديث آمرة بالصلة ناهية عن القطيعة فلا واسطة بينهما، والصلة نوع من الاحسان كما فسرها بذلك غير واحد، والقطيعة ضدها وهي ترك الاحسان. وأما ما أخرجه الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها فإنه ظاهر في أن الصلة إنما هي ما كان للقاطع صلة رحمه. وهذا على رواية قطعت بالبناء للفاعل وهي رواية، فقال ابن العربي في شرحه: المراد الكاملة في الصلة.
وقال الطيبي: معناه ليس حقيقة الواصل ومن يعتد بصلته من يكافئ صاحبه بمثل فعله ولكنه من يتفضل على صاحبه. وقال المصنف: لا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع فهم ثلاث درجات واصل ومكافئ وقاطع، فالواصل: هو الذي يتفضل ولا يتفضل عليه، والمكافئ هو الذي لا يزيد في الاعطاء على ما يأخذه، والقاطع: الذي لا يتفضل عليه ولا يتفضل. قال الشارح: وبالأولى من يتفضل عليه ولا يتفضل أنه قاطع، قال المصنف: وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين فمن بدأ فهو القاطع فإن جوزي سمي من جازاه مكافئا.
3 - (وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال متفق عليه. الأمهات: جمع أمهة لغة في الأم، ولا تطلق إلا على من يعقل بخلاف أم فإنها نعم، وإنما خصت الأم هنا إظهارا لعظم حقها وإلا فالأب محرم عقوقه. وضابط العقوق المحرم كما نقل خلاصته عن البلقيني وهو: أن يحصل من الولد للأبوين أو أحدهما إيذاء ليس بالهين عرفا، فيخرج من هذا ما إذا حصل من الأبوين أمر أو نهي فخالفهما بما لا يعد فالعرف مخالفته عقوقا، فلا يكون ذلك عقوقا، وكذلك لو كان مثلا على أبوين دين للولد أو حق شرعي فرافعه إلى الحاكم فلا يكون ذلك عقوقا، كما وقع من بعض أولاد الصحابة شكاية الأب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في احتياجه لماله، فلم يعد النبي صلى الله عليه وسلم شكايته عقوقا: قلت: في هذا تأمل فإن قوله صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك دليل على نهيه عن منع أبيه عن ماله وعن شكايته. ثم قال صاحب الضابط: فعلى هذا العقوق أن يؤذي الولد أحد أبويه بما لو فعله مع غير أبويه كان محرما من جملة الصغائر، فيكون في حق الأبوين كبيرة، أو مخالفة الامر أو النهي فيما يدخل فيه الخوف على الولد من فوات نفسه أو عضو من أعضائه في غير الجهاد