سلبه، كما قدمنا قريبا. وأما قول أبي حنيفة والهادوية: إنه لا يكون السلب للقاتل إلا إذا قال الامام قبل القتال مثلا: من قتل قتيلا فله سلبه وإلا كان السلب من جملة الغنيمة بين الغانمين فإنه قول لا توافقه الأدلة، وقال الطحاوي: ذلك موكول إلى رأي الامام، فإنه صلى الله عليه وسلم أعطى سلب أبي جهل لمعاذ بن الجموح بعد قوله له ولمشاركه في قتله كلاكما قتله لما أرياه سيفيهما. وأجيب عنه بأنه (ص) إنما أعطاه معاذا لأنه الذي أثر في قتله لما رأى عمق الجناية في سيفه، وأما قوله: كلاكما قتله فإنه قاله تطييبا لنفس صاحبه. وأما تخميس السلب الذي يعطاه القاتل فعموم الأدلة من الأحاديث قاضية بعدم تخميسه وبه قال أحمد وابن المنذر وابن جرير وآخرون، كأنهم يخصصون عموم الآية، فإنه أخرج حديث عوف بن مالك أبو داود وابن حبان بزيادة ولم يخمس السلب وكذلك أخرجه الطبراني. واختلفوا هل تلزم القاتل البينة على أنه قتل من يريد أخذ سلبه؟ فقال الليث والشافعي وجماعة من المالكية: إنه لا يقبل قوله إلا بالبينة لورود ذلك في بعض الروايات بلفظ من قتل قتيلا عليه بينة فله سلبه. وقال مالك والأوزاعي: يقبل قوله بلا بينة، قالوا: لأنه صلى الله عليه وسلم قد قبل قول واحد ولم يحلفه بل اكتفى بقوله، وذلك في قصة معاذ بن الجموح وغيرها فيكون مخصصا لحديث الدعوى والبينة.
23 - (وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في قصة قتل أبي جهل) يوم بدر (قال: فابتدراه) تسابقا إليه (بسيفيهما) أي ابني عفراء (حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله (ص) فأخبراه. فقال: أيكما قتله؟ هل مسحتما سيفيكما؟
قالا: لا، قال: فنظر فيهما) أي في سيفيهما (فقال: كلاكما قتله فقضى صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح) بفتح الجيم آخره حاء مهملة بزنة فعول (متفق عليه). استدل به على أن للامام أن يعطي السلب لمن شاء وأنه مفوض إلى رأيه لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن ابني عفراء قتلا أبا جهل ثم جعل سلبه لغيرهما، وأجيب عنه: أنه إنما حكم به (ص) لمعاذ بن عمرو بن الجموح لأنه رأى أثر ضربته بسيفه هي المؤثرة في قتله لعمقها فأعطاه السلب، وطيب قلب ابني عفراء بقوله: كلاكما قتله وإلا فالجناية القاتلة له ضربة معاذ بن عمرو ونسبة القتل إليهما مجاز أي كلاكما أراد قتله، وقرينة المجاز إعطاء سلب المقتول لغيرهما، وقد يقال هذا محل النزاع.
24 - (وعن مكحول) هو أبو عبد الله مكحول بن عبد الله الشامي كان من سبي كابل، وكان مولى لامرأة من قيس وكان سنديا لا يفصح، وهو عالم الشام ولم يكن أبصر منه بالفتيا في زمانه، سمع من أنس بن مالك وواثلة وغيرهما، ويروي عنه الزهري وغيره وربيعة الرأي وعطاء الخراساني، مات سنة ثمان عشرة ومائة (أن النبي (ص) نصب المنجنيق على أهل الطائف. أخرجه أبو داود في المراسيل ورجاله ثقات ووصله العقيلي بإسناد ضعيف عن علي رضي الله عنه). وأخرجه الترمذي عن ثور راويه عن مكحول ولم يذكر مكحولا فكان من قسم المعضل. وقال السهيلي: ذكر الرمي بالمنجنيق الواقدي