كان غضوبا. وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يفتي كل أحد بما هو أولى به، قال ابن التين:
جمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تغضب خيري الدنيا والآخرة، لان الغضب يؤول إلى التقاطع، ومنع الرفق، ويؤول إلى أن يؤذي الذي غضب عليه بما لا يجوز، فيكون نقصا في دينه انتهى. ويحتمل أن يكون من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى لان الغضب ينشأ عن النفس والشيطان فمن جاهدهما حتى يغلبهما مع ما في ذلك من شدة المعالجة كان أملك لقهر نفسه عن غير ذلك بالأولى. وتقدم كلام يتعلق بالغضب وعلاجه.
13 - (وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة.
أخرجه البخاري. الحديث دليل على أنه يحرم على من لم يستحق شيئا من مال الله، بأن يكون من المصارف التي عينها الله تعالى أن يأخذه ويتملكه، وأن ذلك من المعاصي الموجبة للنار. وفي قوله: يتخوضون دلالة على أنه يقبح توسعهم منه زيادة على ما يحتاجون، فإن كانوا من ولاة الأموال أبيح لهم قدر ما يحتاجونه لأنفسهم من غير زيادة، وقد تقدم الكلام في ذلك.
14 - (وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه) من الأحاديث القدسية (قال:) الرب تبارك وتعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي) وأخبرنا بأنه لا يفعله في كتابه بقوله: * (وما ربك بظلام للعبيد) * (وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا أخرجه مسلم). التحريم لغة: المنع عن الشئ، وشرعا: ما يستحق فاعله العقاب، وهذا غير صحيح إرادته في حقه تعالى بل المراد به أنه تعالى منزه متقدس عن الظلم. وأطلق عليه لفظ التحريم لمشابهته الممنوع بجامع عدم الشئ، والظلم مستحيل في حقه تعالى لان الظلم في عرف اللغة التصرف في غير الملك أو مجاوزة الحد وكلاهما محال في حقه تعالى، لأنه المالك للعالم كله المتصرف بسلطانه في دقه وجله. وقوله: فلا تظالموا تأكيد لقوله وجعلته بينكم محرما. والظلم قبيح عقلا أقره الشارع وزاده قبحا وتوعد عليه بالعذاب * (وقد خاب من حمل ظلما) * وغيرها.
15 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟) بكسر الغين المعجمة (قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته) بفتح الموحدة وفتح الهاء من البهتان (أخرجه مسلم). الحديث كأنه سيق لتفسير الغيبة المذكورة في قوله تعالى: * (ولا يغتب بعضكم بعضا) * ودل الحديث على حقيقة الغيبة، قال في النهاية: هي أن تذكر الانسان في غيبته بسوء وإن كان فيه. قال النووي في الأذكار تبعا للغزالي: ذكر المرء بما يكره سواء كان في بدن