بكلمة التوحيد. واستدل القائل بالكراهة بحديث: أفلح - وأبيه - إن صدق أخرجه مسلم.
وأجيب عنه أولا: بأنه قال ابن عبد البر: إن هذه اللفظة غير محفوظة وقد جاءت عن راويها أفلح والله إن صدق بل زعم بعضهم أن راويها صحف والله إلى وأبيه، وثانيا: أنها لم تخرج مخرج القسم بل هي من الكلام الذي يجري على الألسنة مثل: تربت يداه، ونحوه.
وقولنا: من غير تأويل إشارة إلى تأويل القائل بالكراهة فإنه تأول قوله فقد أشرك بما قاله الترمذي: قد حمل بعض العلماء مثل هذا على التغليظ كما حمل بعضهم قوله الرياء شرك على ذلك. وأجيب بأن هذا إنما يرفع القول بكفر من حلف بغير الله ولا يرفع التحريم كما أن الرياء محرم اتفاقا ولا يكفر من فعله كما قال ذلك البعض. واستدل القائل بالكراهة بأن الله تعالى قد أقسم في كتابه بالمخلوقات من الشمس والقمر وغيرهما. وأجيب بأنه ليس للعبد الاقتداء بالرب تعالى فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، على أنها كلها مؤولة بأن المراد ورب الشمس ونحوه. ووجه التحريم أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به ومنع النفس عن الفعل أو عزمها عليه بمجرد عظمة من حلف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يلحق به غيره.
ويحرم الحلف بالبراءة من الاسلام أو من الدين أو بأنه يهودي أو نحو ذلك لما أخرجه أبو داود وابن ماجة والنسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حلف فقال: إني برئ من الاسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الاسلام سالما. والأظهر عدم وجوب الكفارة في الحلف بهذه المحرمات، إذ الكفارة مشروعة فيما أذن الله تعالى أن يحلف به لا فيما نهى عنه، ولأنه لم يذكر الشارع كفارة، بل ذكر أنه يقول كلمة التوحيد لا غير.
3 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
يمينك على ما يصدقك به صاحبك وفي رواية اليمين على نية المستحلف أخرجهما مسلم. الحديث دليل على أن اليمين تكون على نية المحلف، ولا ينفع فيها نية الحالف إذا نوى بها غير ما أظهره، وظاهره الاطلاق سواء كان المحلف له الحاكم أو المدعي للحق، والمراد حيث كان المحلف له التحليف كما يشير إليه قوله: على ما يصدقك به صاحبك فإنه يفيد أن ذلك حيث كان للمحلف التحليف وهو حيث كان صادقا فيما ادعاه على الحالف وأما لو كان على غير ذلك كانت النية نية الحالف، واعتبرت الشافعية أن يكون المحلف الحاكم وإلا كانت النية نية الحالف. قال النووي: وأما إذا حلف بغير استحلاف وورى فتنفعه ولا يحنث سواء حلف ابتداء من غير تحليف، أو حلفه غير القاضي أو غير نائبه ولا اعتبار في ذلك بنية المحلف بكسر اللام غير القاضي. والحاصل أن اليمين على نية الحالف في جميع الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه فتكون اليمين على نية المستحلف، وهو مراد الحديث. أما إذا حلف بغير استحلاف القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه فتكون اليمين على نية الحالف، وسواء في هذا كله بالله تعالى أو بالطلاق