الله عنه له صلى الله عليه وسلم: أنؤاخذ بما نقول؟ قال: ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخره إلا حصائد ألسنتهم؟ وقال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت والأحاديث فيه واسعة جدا والآثار عن السلف كذلك.
واعلم أن فضول الكلام لا تنحصر، بل المهم محصور في كتاب الله تعالى حيث قال * (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) * وآفاته لا تنحصر فعد منها الخوض في الباطل وهو الحكاية للمعاصي من مخالطة النساء ومجالس الخمر ومواقف الفساق وتنعم الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأحوالهم المكروهة، فإن كل ذلك مما لا يحل الخوض فيه فهذا حرام، ومنها الغيبة والنميمة وكفى بهما هلاكا في الدين ومنها المراء والمجادلة والمزاح، ومنه الخصومة والسب والفحش وبذاءة اللسان والاستهزاء بالناس والسخرية والكذب. وقد عد الغزالي في الاحياء عشرين آفة، وذكر في كل آفة كلاما بسيطا حسنا وذكر علاج هذه الآفات.
باب الترهيب من مساوئ الأخلاق 1 - (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أخرجه أبو داود ولابن ماجة من حديث أنس نحوه. إياكم ضمير منصوب على التحذير والمحذر منه الحسد.
وفي الحسد أحاديث وآثار كثيرة، ويقال: كان أول ذنب عصي الله به الحسد، فإنه أمر إبليس بالسجود لآدم فحسده فامتنع عنه فعصى الله فطرده، وتولد من طرده كل بلاء وفتنة عليه وعلى العباد، والحسد لا يكون إلا على نعمة، فإذا أنعم الله على أخيك نعمة فلك فيها حالتان، إحداهما: أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها وهذه الحالة تسمى حسدا. الثانية أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها له ولكن تريد لنفسك مثلها فهذا يسمى غبطة، فالأول حرام على كل حال إلا نعمة على فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذا ت البين وإيذاء العباد، فهذه لا يضرك كراهتك لها ولا محبتك زوالها فإنك لم تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة للفساد. ووجه تحريم الحسد مع ما علم من الأحاديث أنه تسخط لقدر الله تعالى وحكمته في تفضيل بعض عباده على بعض. ولذا قيل:
ألا قل لمن كان لي حاسدا * أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في فعله * لأنك لم ترض لي ما وهب ثم الحاسد إن وقع له الخاطر بالحسد فدفعه وجاهد نفسه في دفعه فلا إثم عليه، بل لعله مأجور في مدافعة نفسه، فإن سعى في زوال نعمة المحسود فهو باغ، وإن لم يسمع ولم يظهره لمانع العجز، فإن كان بحيث لو أمكنه لفعل فهو مأزور وإلا فلا، أي لا وزر عليه لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها.
وفي الاحياء: فإن كان بحيث لو ألقي الامر إليه ورد إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة فهو