لا يغفر الذنوب إلا أنت أخرجه البخاري. وتمام الحديث من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. قال الطيبي: لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة استعير له اسم السيد وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد إليه في الحوائج. ويرجع إليه في الأمور، وجاء في رواية الترمذي ألا أدلك على سيد الاستغفار. وفي حديث جابر عند النسائي تعلموا سيد الاستغفار وقوله: لا إله إلا أنت خلقتني ووقع في رواية: اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت خلقتني وزاد فيه آمنت لك مخلصا لك ديني. وقوله:
وأنا عبدك جملة مؤكدة لقوله: أنت ربي، ويحتمل: أنا عبدك بمعنى عابدك فلا يكون تأكيدا ويؤيده عطف قوله: وأنا على عهدك ومعناه كما قال الخطابي: أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الايمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت ومتمسك به ومستنجز وعدك في المعونة والأجر. وفي قوله: ما استطعت اعتراف بالعجز والقصور عن القيام بالواجب من حقه تعالى. قال ابن بطال: يريد بالعهد الذي أخذه الله على عباده حيث أخرجهم أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم. * (ألست بربكم) * فأقروا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية، وبالوعد ما قال على لسان نبيه أن من مات لا يشرك بي شيئا أن يدخل الجنة.
ومعنى أبوء أقر وأعترف وهو مهموز وأصله البواء ومعناه اللزوم. ومنه: بوأه الله منزلا أي أسكنه، فكأنه ألزمه به وأبوء بذنبي أعترف به وأقر. وقوله: فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت اعترف بذنبه أولا ثم طلب غفرانه ثانيا. وهذا من أحسن الخطاب وألطف الاستعطاف كقول أبي البشر: * (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) *. وقد اشتمل الحديث على الاقرار بالربوبية لله تعالى. وبالعبودية للعبد في التوحيد له وبالإقرار بأنه الخالق، والاقرار بالعهد الذي أخذه على الأمم. والاقرار بالعجز عن الوفاء من العبد، والاستعاذة به تعالى من شر السيئات نحو نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا والاقرار بنعمته على عباده، وأفردها للجنس، والاقرار بالذنب وطلب المغفرة وحصر الغفران فيه تعالى. وفيه أنه لا ينبغي طلب الحجا ت إلا بعد الوسائل. وأما ما استشكل به من أنه كيف يستغفر وقد غفر له صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو أيضا معصوم، فإنه من الفضول لأنه (ص) أخبر بأنه يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم سبعين مرة. وعلمنا الاستغفار فعلينا التأسي والامتثال لا إيراد السؤال والاشكال، وقد علم هذا من خاطبهم بذلك فلم يوردوا إشكالا ولا سؤالا ويكفينا كونه ذكر الله على كل حال، وهو مثل طلبنا للرزق. وقد تكفل به وتعليمه لنا ذلك * (ارزقنا وأنت خير الرازقين) * وكله تعبد وذكر الله تعالى.
19 - و (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله (ص) يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في ديني