الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم أخرجه مسلم. في الشح وفي التفرقة بينه وبين البخل أقوال، فقيل في تفسير الشح إنه أشد من البخل وأبلغ في المنع من البخل، وقيل: هو البخل مع الحرص، وقيل البخل في بعض الأمور والشح عام، وقيل: البخل بالمال خاصة والشح بالمال والمعروف وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل بما عنده. وقوله: فإنه أهلك من كان قبلكم يحتمل أن يريد الهلاك الدنيوي المفسر بما بعده في تمام الحديث وهو قوله: حملهم على أن يسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم وهذا هلاك دنيوي، والحامل لهم هو شحهم على حفظ المال وجمعه وازدياده وصيانته عن ذهابه في النفقات، فضموا إليه مال الغير صيانة له، ولا يدرك مال الغير إلا بالحرب والعصبية المفضية إلى القتل واستحلال المحارم، ويحتمل أن يراد به الهلاك الأخروي، فإنه يتفرع عما اقترفوه من ارتكاب هذه المظالم، والظاهر حمله على الامرين واعلم أن الأحاديث في ذم الشح والبخل كثيرة، والآيات القرآنية كقوله تعالى: * (والذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه) * * (ولا تحسبن الذين يبخلون بما اتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم) * * (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * في الحديث ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه زيادة، وفي الدعاء النبوي: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن - إلى قوله - والبخل أخرجه الشيخان، وقال صلى الله عليه وسلم: شر ما في الرجل شح هالع، وجبن خالع أخرجه البخاري في التاريخ وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا، والآثار فيه كثيرة فإن قلت: وما حقيقة البخل المذموم؟ وما من أحد إلا وهو يرى نفسه أنه غير بخيل ويرى غيره بخيلا، وربما صدر فعل من انسان فاختلف فيه الناس فيقول جماعة: إنه بخيل ويقول آخرون: ليس بخيلا فماذا حد البخل الذي يوجب الهلاك وما حد البذل يستحق العبد به صفة السخاوة وثوابها؟. قلت: السخاء: هو أن يؤدي ما أوجب عليه، والواجب واجبان: واجب الشرع: وهو ما فرضه الله تعالى من الزكاة والنفقات لمن يجب عليه إنفاقه وغير ذلك، وواجب المروءة والعادة. والسخي هو الذي لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة، فإن منع واحدا منهما فهو يخيل، لكن الذي يمنع واجب الشرع أبخل، فمن أعطى زكاة ماله مثلا ونفقة عياله بطيبة نفسه ويتيمم الخبيث من ماله في حق الله فهو سخي. والسخاء في المروءة أن يترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات فإن ذلك مستقبح ويختلف استقباحه باختلاف الأحوال والاشخاص، وتفصيله يطول فمن أراد استيفاء ذلك راجع الاحياء للغزالي رحمه الله.
واعلم أن البخل داء له دواء وما أنزل الله من داء إلا وله دواء، وداء البخل أمران الأول: حب الشهوات التي لا يتوصل إليها إلا بالمال وطول الأمل، والثاني: حب ذات المال والشغف به وببقائه لديه، فإن الدنانير مثلا رسول تنال به الحاجات والشهوات فهو محبوب لذلك ثم صار محبوبا لنفسه، لان الموصل إلى اللذات لذيذ، فقد ينسى الحاجات والشهوات وتصير الدنانير