واستدل الجمهور بقياسه على الوصية بجامع أنه ينفذ بعد الموت، وبحديث ابن عمر مرفوعا المدبر من الثلث ورد الحديث بأنه جزم أئمة الحديث بضعفه وإنكاره وأن رفعه باطل، وإنما هو موقوف على ابن عمر. وقال البيهقي: الصحيح أنه موقوف، وروى البيهقي عن أبي قلابة مرسلا: أن رجلا أعتق عبدا له عن دبر فجعله صلى الله عليه وسلم من الثلث. وأخرج عن علي عليه السلام كذلك موقوفا. واستدل الآخرون بالقياس على الهبة ونحوها مما يخرجه الانسان من ماله في حال حياته، ودليل الأولين أولى لتأييد القياس بالمرسل والموقوف ولان قياسه على الوصية أولى من القياس على الهبة. وفي الحديث دليل على جواز بيع المدبر لحاجته لنفقته أو قضاء دينه، وذهب طائفة إلى عدم جواز بيعه مطلقا مستدلين بقوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * ورد بأنه عام خصصه حديث الكتاب. وذهب آخرون منهم الشافعي وأحمد إلى جواز بيعه مطلقا مستدلين بحديث جابر، وبشبهه بالوصية فإنه إذا احتاج الموصي باع ما أوصى به وكذلك مع استغنائه، قالوا: والحديث ليس فيه قصر البيع على الحاجة والضرورة وإنما الواقع جزئي من جزئيات صور جواز بيعه، وقياسه على الوصية يؤيد اعتبار الجواز المطلق، والظاهر القول الأول.
2 - (وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم عن النبي (ص) قال:
المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم أخرجه أبو داود بإسناد حسن، وأصله عند أحمد والثلاثة وصححه الحاكم. وروي من طرق كلها لا تخلو عن مقال. قال الشافعي في حديث عمرو بن شعيب: لا أعلم أحدا روى هذا إلا عمرو بن شعيب ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته، وعلى هذا فتيا المفتين. والحديث دليل على أن المكاتب إذا لم يف بما كوتب عليه فهو عبد له أحكام المماليك. وإلى هذا ذهب الجمهور: الهادوية والحنفية والشافعي ومالك. وفي المسألة خلاف: فروي عن علي عليه السلام أنه يعتق إذا أدى الشرط، ويروى عنه أنه يعتق بقدر ما أدى. ودليله ما أخرجه النسائي من رواية عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يودي المكاتب بحصة ما أدى دية حروما بقي دية عبد قال البيهقي: قال أبو عيسى فيما بلغني عنه: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة عن علي واختلف على عكرمة فيه، ورواية عكرمة عن علي مرسلة، وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة، وروي عن علي من طرق مرفوعا وموقوفا. قلت: فقد ثبت له أصل إلا أنه قد عارضه حديث الكتاب. وقول الجمهور دليله الحديث وإن كان ما خلت طرقه عن قادح إلا أنه أيدته آثار سلفي عن الصحابة، ولأنه أخذ بالاحتياط في حق السيد فلا يزول ملكه إلا بما قد رضي به من تسليم ما عند عبده فالأقرب كلام الجمهور.
3 - (وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (ص): إذا كان لإحداكن مكاتب وكن عنده ما يؤدي فلتحتجب منه رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي. وهو دليل على مسألتين: الأولى: أن المكاتب إذا صار معه جميع