أنها تصير للمسلمين فأراد بقاءها لهم وذلك يدور على ملاحظة المصلحة.
21 - (وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغلوا فإن الغلو)، بضم الغين المعجمة وضم اللام (نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة رواه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان). تقدم أن الغلول: الخيانة. قال ابن قتيبة:
سمي بذلك لان صاحبه يغله في متاعه أي يخفيه، وهو من الكبائر بالاجماع كما نقله النووي، والعار: الفضيحة. ففي الدنيا أنه إذا ظهر افتضح به صاحبه وأما في الآخرة فلعل العار ما يفيده ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله (ص) وذكر الغلول وعظم أمره فقال: لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، على رقبته فرس له حمحمة يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك - الحديث وذكر فيه البعير وغيره. فإنه دل الحديث على أنه يأتي الغال بهذه الشنيعة يوم القيامة على رؤوس الاشهاد، فلعل هذا هو العار في الآخرة للغال، ويحتمل أنه شئ أعظم من هذا. ويؤخذ من هذا الحديث أن هذا ذنب لا يغفر بالشفاعة لقول (ص): لا أملك لك من الله شيئا. ويحتمل أنه أورده في محل التغليظ والتشديد، ويحتمل أنه يغفر له بعد تشهيره في ذلك الموقف. والحديث الذي سقناه ورد في خطاب العاملين على الصدقات، فدل على أن الغلول عام لكل ما فيه حق للعباد وهو مشترك بين الغال وغيره. فإن قلت: هل يجب على الغال رد ما أخذ؟ قلت: قال ابن المنذر:
إنهم أجمعوا على أن الغال يعيد ما غل قبل القسمة. وأما بعدها فقال الأوزاعي والليث ومالك:
يدفع إلى الامام خمسه ويتصدق بالباقي، وكان الشافعي لا يرى ذلك وقال: إن كان ملكه فليس عليه أن يتصدق به وإن كان لم يملكه لم يتصدق به فليس له التصدق بمال غيره والواجب أن يدفعه إلى الامام كالأموال الضائعة.
22 - (وعن عوف بن مالك رضي الله عنه: أن النبي (ص) قضى بالسلب للقاتل رواه أبو داود وأصله عند مسلم. ففيه دليل على أن السلب الذي يؤخذ من العدو الكافر يستحقه قاتله سواء قال الامام قبل القتال: من قتل قتيلا فله سلبه، أو لا، وسواء كان القاتل مقبلا أو منهزما، وسواء كان ممن يستحق السهم في المغنم أو لا، إذ قوله: قضى بالسلب للقاتل حكم مطلق غير مقيد بشئ من الأشياء. قال الشافعي: وقد حفظ هذا الحكم عن رسول الله (ص) في مواطن كثيرة: منها يوم بدر، فإنه صلى الله عليه وسلم حكم بسلب أبي جهل لمعاذ بن الجموح لما كان هو المؤثر في قتل أبي جهل، وكذا في قتل حاطب ابن أبي بلتعة لرجل يوم أحد أعطاه النبي (ص) سلبه. رواه الحاكم والأحاديث في هذا الحكم كثيرة. وقوله صلى الله عليه وسلم في يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه بعد القتال لا ينافي هذا، بل هو مقرر للحكم السابق فإن هذا كان معلوما عند الصحابة من قبل حنين، ولذا قال عبد الله بن جحش: اللهم ارزقني رجلا شديدا - إلى قوله - أقتله وآخذ