فأجره على الله) *. وفيه أنه يجعل الله تعالى للعافي عزا وعظمة في القلوب، لأنه بالانتصاف يظن أنه يعظم ويصان جانبه ويهاب ويظن أن الاغضاء والعفو لا يحصل به ذلك فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يزداد بالعفو عزا، وفي قوله: وما تواضع أحد لله أي لأجل ما أعده الله للمتواضعين إلا رفعه الله دليل على أن التواضع سبب للرفعة في الدارين لاطلاقه.
وفي الحديث حث على الصدقة وعلى العفو وعلى التواضع، وهذه من أمهات مكارم الأخلاق.
13 - (وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص):
يا أيها الناس أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام أخرجه الترمذ وصححه. الافشاء لغة: الاظهار، والمراد نشر السلام على من يعرفه وعلى من لا يعرفه، وأخرج الشيخان من حديث عبد الله بن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الاسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف. ولا بد في السلام أن يكون بلفظ مسمع لمن يرد عليه. وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن عمر: إذا سلمت فأسمع فإنها تحية من عند الله، قال النووي: أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيا بالسنة فإن شك استظهر. وإن دخل مكانا فيه أيقاظ ونيام فالسنة ما ثبت في صحيح مسلم عن المقداد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجئ من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان، فإن لقي جماعة يسلم عليهم جميعا، ويكره أن يخص أحدهم بالسلام لأنه يولد الوحشة، ومشروعية السلام لجلب التحاب والألفة، فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ألا أدلكم على ما تحابون به؟ أفشوا السلام بينكم.
ويشرع السلام عند القيام من الموقف كما يشرع عند الدخول لما أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا إذا قعد أحدكم فليسلم وإذا قام فليسلم فليست الأولى أحق من الآخرة وتكره أو تحرم الإشارة باليد أو الرأس لما أخرجه النسائي بسند جيد عن جابر مرفوعا لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف إلا أنه يستثنى من ذلك حال الصلاة فقد وردت أحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم كان يرد على من يسلم عليه وهو يصلي بالإشارة، وقد قدمنا تحقيق ذلك في الحديث العشرين من باب شروط الصلاة في الجزء الأول. وجوزت الإشارة بالسلام على من بعد عن سماع لفظ السلام. قال ابن دقيق العيد: وقد يستدل بالأمر بإفشاء السلام من قال بوجوب الابتداء بالسلام، ويرد عليه أنه لو كان الابتداء فرض عين على كل أحد كان فيه حرج ومشقة، والشريعة على التخفيف والتيسير، فيحمل على الاستحباب ا ه. قال النووي: في التسليم على من لم يعرف إخلاص العمل لله تعالى واستعمال التواضع وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة، وقال ابن بطال في مشروعية السلام على غير معروف: استفتاح المخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم إخوة فلا يستوحش أحد من أحد. وتقدم الكلام على صلة الأرحام مستوفى، وعلى إطعام الطعام، فيشمل من يجب عليه إنفاقه ويلزم إطعامه ولو عرفا أو عادة، وكالصدقة على