أنها كانت حبشية وصيفة لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال: كانت من سبي الحبشة الذين قدموا زمن الفيل فصار ت لعبد المطلب، فوهبها لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم. وتزوجت قبل زيد عبيدا الحبشي فولد ت له أيمن فكنيت به واشتهرت بكنيتها واسمها بركة. والحديث دليل على اعتبار القيافة في ثبوت النسب، وهي مصدر قاف قيافة، والقائف: الذي يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه. وإلى اعتبارها في ثبوت النسب ذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء مستدلين بهذا الحديث.
ووجه دلالته ما علم من أن التقرير منه (ص) حجة لأنه أحد أقسام السنة.
وحقيقة التقرير أن يرى النبي (ص) فعلا من فاعل أو يسمع قولا من قائل أو يعلم به وكان ذلك الفعل من الأفعال التي لا يعلم تقدم إنكاره لها، كمضي كافر إلى كنيسة أو مع عدم القدرة كالذي كان يشاهده من كفار مكة من عبادة الأوثان وأذاهم للمسلمين ولم ينكره، كان ذلك تقريرا دالا على جوازه، فإن استبشر به فأوضح كما في هذه القصة فإنه استبشر بكلام مجزز في إثبات نسب أسامة إلى زيد فدل ذلك على تقرير كون القيافة طريقا إلى معرفة الأنساب. وبما رواه مالك عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الاسلام فأتى رجلان إلى عمر رضي الله عنه كلاهما يدعي ولد امرأة فدعا قائفا فنظر إليه القائف فقال: لقد اشتركا فضربه عمر بالدرة ثم دعا المرأة فقال أخبريني خبرك فقالت: كان هذا لاحد الرجلين - يأتيها في إبل لأهلها فلا يفارقها حتى يظن أنه قد استمر بها حمل ثم ينصرف عنها فأهريقت عليه دما ثم خلف عليها هذا - يعني الآخر - فلا أدري من أيهما هو، فكبر القائف، فقال عمر للغلام: فإلى أيهما شئت فانتسب. فقضى عمر بمحضر من الصحابة بالقيافة من غير إنكار من واحد منهم، فكان كالاجماع تقوى به أدلة القيافة.
قالوا: وهو مروي عن ابن عباس وأنس بن مالك ولا مخالف لهما ما الصحابة، ويدل عليه حديث اللعان. وقوله صلى الله عليه وسلم: إن جاءت به على صفة كذا وكذا فهو لفلان، أو على صفة كذا وكذا فهو لفلان فجاءت به على الوصف المكروه فقال: لولا الايمان لكان لي ولها شأن فقوله: فهو لفلان إثبات للنسب بالقيافة وإنما منعت الايمان عن إلحاقه بمن جاء على صفته. وذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه لا يعمل بالقيافة في إثبات النسب، والحكم في الولد المتنازع فيه أن يكون للشريكين أو المشتريين أو الزوجين. وللهادوية في الزوجين تفاصيل معروفة في الفروع، وتأولوا حديث مجزز هذا وقالوا: ليس من باب التقرير لان نسب أسامة كان معلوما إلى زيد وإنما كان يقدح الكفار في نسبه لاختلاف اللون بين الولد وأبيه، والقيافة كانت من أحكام الجاهلية وقد جاء الاسلام بإبطالها ومحو آثارها، فسكوته (ص) عن الانكار على مجزز ليس تقريرا لفعله، واستبشاره إنما هو لالزام الخصم الطاعن في نسب أسامة بما يقوله ويعتمده فلا حجة في ذلك. قلت: ولا يخفى