من حديث علي أيضا (من وجه آخر: ويجير عليهم أقصاهم). كالدفع لتوهم أنه لا يجير إلا أدناهم فتدخل المرأة في جواز إجارتها على المسلمين كما أفاده الحديث الآتي:
42 - (وفي الصحيحين من حديث أم هانئ) بنت أبي طالب، قيل: اسمها هند وقيل فاطمة، وهي أخت علي بن أبي طالب عليه السلام) قد أجرنا من أجرت). وذلك أنها أجارت رجلين من أحمائها وجاءت إلى النبي (ص) تخبره أن عليا أخاها لم يجز إجارتها فقال (ص): قد أجرنا الحديث. والأحاديث دالة على صحة أمان الكافر من كل مسلم ذكر أو أنثى حر أم عبد مأذون أو غير مأذون لقوله: أدناهم فإنه شامل لكل وضيع، وتعلم صحة أمان الشريف بالأولى. وعلى هذا جمهور العلماء إلا عند جماعة من أصحاب مالك فإنهم قالوا: لا يصح أمان المرأة إلا بإذن الامام، وذلك لأنهم حملوا قوله صلى الله عليه وسلم لأم هانئ قد أجرنا من أجرت على أنه إجازة منه، قالوا: فلو لم يجز لم يصح أمانها وحمله الجمهور على أنه (ص) أمضى ما وقع منه، وأنه قد انعقد أمانها لأنه صلى الله عليه ولم سماها مجيرة، ولأنها داخلة في عموم المسلمين في الحديث على ما يقوله بعض أئمة الأصول أو من باب التغليب بقرينة الحديث الآتي:
43 - (وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله (ص) يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما رواه مسلم. وأخرجه أحمد بزيادة لئن عشت إلى قابل وأخرج الشيخان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأخرج البيهقي من حديث مالك عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لا يجتمع دينان في جزيرة العرب. قال مالك: قال ابن شهاب: ففحص عمر عن ذلك حتى أتاه الثلج واليقين عن رسول الله (ص) أنه قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب فأجلى يهود خيبر قال مالك: وقد أجلى يهود نجران وفدك أيضا. والحديث دليل على وجوب اخراج اليهود والنصارى والمجوس من جزيرة العرب لعموم قوله: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب وهو عام لكل دين، والمجوس بخصوصهم حكمهم حكم أهل الكتاب كما عرفت. وأما حقيقة جزيرة العرب، فقال مجد الدين في القاموس: جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات، أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا، ومن جدة إلى أطراف ريف العراق عرضا، انتهى. وأضيفت إلى العرب لأنها كانت أوطانهم قبل الاسلام وأوطان أسلافهم وهي تحت أيديهم. وبما تضمنته الأحاديث من وجوب اخراج من له دين غير الاسلام من جزيرة العرب قال مالك والشافعي وغيرهما، إلا أن الشافعي والهادوية خصوا ذلك بالحجاز.
قال الشافعي: وإن سأل من يعطي الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن له ذلك، والمراد بالحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها، وفي القاموس الحجاز مكة والمدينة والطائف ومخاليفها كأنها حجزت بين نجد وتهامة أو بين نجد والسراة