والمجيب هو النبي (ص)، ويحتمل أن يكون السائل غير عبد الله لعبد الله وعبد الله المجيب والأول أظهر (وما اليمين الغموس؟ قال: التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب أخرجه البخاري). اعلم أن اليمين إما أن تكون بعقد قلب وقصد أو لا بل تجري على اللسان بغير عقد قلب وإنما تقع بحسب ما تعوده المتكلم، سواء كانت بإثبات أو نفي نحو والله، وبلى والله، ولا والله، فهذه هي اللغو الذي قال الله تعالى فيه * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * كما يأتي دليله. وإن كانت عن عقد قلب فينظر إلى حال المحلوف عليه، فينقسم بحسبه إلى أقسام خمسة: إما أن يكون معلوم الصدق أو معلوم الكذب أو مظنون الصدق أو مظنون الكذب أو مشكوكا فيه. فالأول: يمين برة صادقة وهي التي وقعت في كلام الله تعالى نحو * (فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) * ووقعت في كلام رسول الله (ص). قال ابن القيم: إنه (ص) حلف في أكثر من ثمانين موضعا، وهذه هي المرادة في حديث: إن الله تعالى يحب أن يحلف به، وذلك لما يتضمن من تعظيم الله تعالى. والثاني وهو معلوم الكذب اليمين الغموس ويقال لها: الزور والفاجرة، وسميت في الأحاديث: يمين صبر ويمينا مصبورة، قال في النهاية سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في النار، فعلى هذا هي فعول بمعنى فاعل، وقد فسرها في الحديث بالتي يقتطع به مال المرء المسلم، فظاهره أنها لا تكون غموسا إلا إذا اقتطع بها مال امرئ مسلم لا أن كل محلوف كذبا يكون غموسا ولكنها تسمى فاجرة. الثالث ما ظن صدقه وهو قسمان: الأول ما انكشف فيه الإصابة فهدا ألحقه البعض بما علم صدقه، إذ بالانكشاف صار مثله. والثاني ما ظن صدقه وانكشف خلافه وقد قيل: لا يجوز الحلف في هذين القسمين لان وضع الحلف لقطع الاحتمال فكأن الحالف يقول: أنا أعلم مضمون الخبر وهذا كذب فإنه إنما حلف على ظنه. الرابع: ما ظن كذبه والحلف عليه محرم. الخامس: ما شك في صدقه وكذبه وهو أيضا محرم. فتلخص أنه يحرم ما عدا المعلوم صدقه. وقوله: ما الكبائر فيه دليل على أنه قد كان معلوما عند السائل أن في المعاصي كبائر وغيرها. وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب إمام الحرمين وجماعة من أئمة العلم إلى أن المعاصي كلها كبائر. وذهب الجماهير إلى أنها تنقسم إلى كبائر وصغائر واستدلوا بقوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * وبقوله: * (والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) *. قلت: ولا يخفى أنه لا دليل على تسمية شئ من المعاصي صغائر وهو محل النزاع. وقيل: لا خلاف في المعنى إنما الخلاف لفظي، لاتفاق الكل على أن من المعاصي ما يقدح في العدالة ومنها ما لا يقدح فيها.
قلت: وفيه أيضا تأمل. وقوله: فذكر الحديث ذكر فيه الاشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس. وقد تعرض الشارح رحمه الله إلى ما قاله العلماء في تحديد الكبيرة وأطال نقل أقاويلهم في ذلك، وهي أقاويل مدخولة. والتحقيق أن الكبر والصغر أمر نسبي