كما ذكره مكحول وذكر أن الذي أشار به سلمان الفارسي، وروى ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن سنان ومن حديث عبد الرحمن بن عوف أنه صلى الله عليه وسلم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة ولم يذكر أشياء من ذلك. وفي الصحيحين من حديث ابن عمر حاصر أهل الطائف شهرا. وفي مسلم من حديث أنس أن المدة كانت أربعين ليلة. وفي الحديث دليل أنه يجوز قتل الكفار إذا تحصنوا بالمنجنيق ويقاس عليه غيره من المدافع ونحوها.
25 - (وعن أنس رضي الله عنه أن النبي (ص) دخل مكة وعلى رأسه المغفر) بالغين المعجمة ففاء. في القاموس المغفر كمنبر وبهاء وككتابة زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع بها المتسلح (فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن خطل) بفتح المعجمة وفتح الطاء المهملة) متعلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه متفق عليه) فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة غير محرم يوم الفتح، لأنه دخل مقاتلا، ولكن يختص به ذلك، فإنه محرم القتال فيها كما قال (ص): وإنما أحلت لي ساعة من نهار الحديث وهو متفق عليه. وأما أمره صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل وهو أحد جماعة تسعة أمر (ص) بقتلهم، ولو تعلقوا بأستار الكعبة، فأسلم منهم ستة، وقتل ثلاثة منهم ابن خطل. وكان ابن خطل قد أسلم فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا، وبعث معه رجلا من الأنصار، وكان معه مولى يخدمه مسلما، فنزل منزلا وأمر مولاه أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما، فنام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا، وكانت له قينتان تغنيانه بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه فقتلت إحداهما واستؤمن للأخرى فأمنها. قال الخطابي: قتله صلى الله عليه وسلم بحق ما جناه في الاسلام، فدل على أن الحرم لا يعصم من إقامة واجب ولا يؤخره عن وقته ا ه. وقد اختلف الناس في هذا فذهب مالك والشافعي إلى أنه يستوفي الحدود والقصاص بكل مكان وزمان، لعموم الأدلة، ولهذه القصة. وذهب الجمهور من السلف والخلف وهو قول الهادوية إلى أنه لا يستو في فيها حد لقوله تعالى: * (ومن دخله كان امنا) * ولقوله (ص): لا يسفك بها دم وأجابوا عما احتج به الأولون بأنه لا عموم للأدلة في الزمان والمكان، بل هي مطلقات مقيدة بما ذكرناه من الحديث، وهو متأخر، فإنه في يوم الفتح بعد شرعية الحدود. وأما قتل ابن خطل ومن ذكر معه فإنه كان في الساعة التي أحلت فيها مكة لرسول الله (ص)، واستمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر، وقد قتل ابن خطل وقت الضحى بين زمزم والمقام. وهذا الكلام فيمن ارتكب حدا في غير الحرم ثم التجأ إليه، وأما إذا ارتكب انسان في الحرم ما يوجب الحد فاختلف القائلون بأنه لا يقام فيه حد. فذهب بعض الهادوية أنه يخرج من الحرم ولا يقام عليه الحد وهو فيه. وخالف ابن عباس فقال من سرق أو قتل في الحرم أقيم عليه في الحرم. رواه أحمد عن طاوس عن ابن عباس. وذكر الأثرم عن ابن عباس أيضا: من أحدث حدثا في الحرم أقيم عليه الحد ما أحدث فيه من شئ، والله تعالى يقول: * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) *. ودل كلام