قال: أبوك فإنه دل على تقديم رضا الأم على رضا الأب. قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاث أمثال ما للأب قال: وكأن ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع.
قلت: وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها) * ومثلها: * (حملته أمه وهنا على وهن) *. قال القاضي عياض: ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل على الأب في البر، ونقل الحارث المحاسبي الاجماع على هذا، واختلفوا في الأخ والجد من أحق ببره منهما؟ فقال القاضي: الأكثر الجد وجزم به الشافعية. ويقدم من أدلى بسببين على من أدلى بسبب، ثم القرابة من ذوي الرحم، ويقدم منهم المحارم على من ليس بمحرم، ثم العصبات، ثم المصاهرة، ثم الولاء، ثم الجار، وأشار ابن بطال إلى أن الترتيب حيث لا يمكن البر دفعة واحدة. وورد في تقديم الزوج ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال زوجها، قلت فعلى الرجل؟ قال: أمه ولعل مثل هذا مخصوص بما إذا حصل التضرر للوالدين فإنه يقدم حقهما على حق الزوج جميعا بين الأحاديث.
5 - (وعن أنس رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو لأخيه ما يحب لنفسه متفق عليه. الحديث وقع في لفظ مسلم بالشك في قوله لأخيه أو لجاره. ووقع في البخاري لأخيه بغير شك.
الحديث دليل على عظم حق الجار والأخ، وفيه نفي الايمان عمن لا يحب لهما ما يحب لنفسه، وتأوله العلماء بأن المراد منه نفي كمال الايمان، إذ قد علم من قواعد الشريعة أن من لم يتصف بذلك لا يخرج عن الايمان. وأطلق المحبوب ولم يعين. وقد عينه ما في رواية النسائي في هذا الحديث لفظ حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه قال العلماء: والمراد من الطاعات والأمور المباحة. قال ابن الصلاح: وهذا قد يعد من الصعب الممتنع، وليس كذلك إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الاسلام ما يحب لنفسه من الخير.
والقيام بذلك يحصل بأن يحب له مثل حصوله ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئا من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم وإنما يعسر على القلب الدغل.
عافانا الله وإخواننا أجمعين ا ه. هذا على رواية الأخ. ورواية الجار عامة للمسلم والكافر والفاسق والصديق والعدو والقريب والأجنبي والأقرب جوارا والأبعد، فمن اجتمعت فيه الصفات الموجبة لمحبة الخير له فهو في أعلى المراتب، ومن كان فيه أكثرها فهو لاحق به وهلم جرا إلى الخصلة الواحدة فيعطي كل ذي حق حقه بحسب حاله. وقد أخرج الطبراني من حديث جابر الجيران ثلاثة: جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الاسلام وجار له ثلاثة حقوق جار مسلم له رحم له حق الاسلام والرحم والجوار وأخرج البخاري في الأدب المفرد أن عبد الله بن عمر ذبح شاة فأهدى منها لجاره اليهودي. فإن كان الجار أخا أحب له ما يحب لنفسه، وإن كان كافرا أحب له الدخول