واعلم أن حريسة الجبل بالحاء المهملة مفتوحة فراء فمثناة تحتية فسين مهملة، والجبل بالجيم فموحدة قيل هي المحروسة، أي ليس فيما يحرس بالجبل إذا سرق قطع لأنه ليس بموضع حرز. وقيل حريسة الجبل الشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها. والمراح الذي تأوي إليه الماشية ليلا، كذا في جامع الأصول، وهذا الأخير أقرب بمراد الحديث، والله أعلم.
12 - (وعن صفوان بن أمية رضي الله عنه أن النبي (ص) قال له لما أمر بقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه: هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن الجارود والحاكم. الحديث أخرجوه من طرق: منها عن طاوس عن صفوان ورجحها ابن عبد البر وقال: إن سماع طاوس من صفوان ممكن لأنه أدرك عثمان وقال: أدركت سبعين شيخا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وللحديث قصة أخرج البيهقي عن عطاء بن أبي رباح قال: بينما صفوان بن أمية مضطجع بالبطحاء إذ جاء انسان فأخذ بردة من تحت رأسه فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقال:
إني أعفو وأتجاوز فقال: فهلا قبل أن تأتيني به؟. وله ألفاظ في بعضها: أنه كان في المسجد الحرام وفي أخرى: في مسجد المدينة نائما. وفي الحديث دليل على أنها تقطع يد السارق فيما كان مالكه حافظا له وإن لم يكن مغلقا عليه في مكان. قال الشافعي: رداء صفوان كان محرزا باضطجاعه عليه. وإلى هذا ذهب الشافعي والحنفية والمالكية، وقال في نهاية المجتهد:
وإذا توسد النائم شيئا، فتوسده له حرز على ما جاء في رداء صفوان. قال في الكنز للحنفية: ومن سرق من المسجد متاعا وربه عنده يقطع وإن كان غير محرز بالحائط لان المسجد ما بني لاحراز الأموال فلم يكن المال محرزا بالمكان انتهى. وتقدم الخلاف في الحرز واختلف القائلون بشرطيته. فقال الشافعي ومالك والامام يحيى: إن لكل مال حرزا يخصه فحرز الماشية ليس حرز الذهب والفضة. وقال الهادوية والحنفية: ما أحرز فيه مال فهو حرز لغيره إذ الحرز ما وضع لمنع الداخل ألا يدخل والخارج ألا يخرج، وما كان ليس كذلك فليس بحرز لا لغة وشرعا. وكذلك قالوا: المسجد والكعبة حرزان لآلاتهما وكسوتهما. واختلفوا في القبر هل هو حرز للكفن فيقطع آخذه أو ليس بحرز؟ فذهب إلى أن النباش سارق: جماعة من السلف والهادي والشافعي ومالك وقالوا: يقطع لأنه أخذ المال خفية من حرز له. وقد روي عن علي عليه السلام وعائشة، وقال الثوري وأبو حنيفة:
لا يقطع النباش لان القبر ليس بحرز. وفي المنار: هذه المسألة فيها صعوبة لان حرمة الميت كحرمة الحي لكن حرمة يد السارق كذلك الأصل منعها ولم يدخل النباش تحت السارق لغة، والقياس الشرعي غير واضح وإذا توقفنا امتنع القطع انتهى. واختلف في السارق من بيت المال فذهبت الهادوية والشافعي وأبو حنيفة: إلى أنه لا يقطع من سرق من بيت المال وروي عن عمر. وذهب مالك: إلى أنه يقطع. واتفقوا على أنه لا يقطع من سرق من الغنيمة والخمس وإن لم يكن من أهلها، قالوا: لأنه قد يشارك فيها بالرضخ أو من الخمس.