خاتمة مائة سوط. وكذا روي عن ابن مسعود. ولا يخفى أن فعل بعض الصحابة ليس بدليل ولا يقاوم النص الصحيح وأن ما نقل عن عمر لا يتم له دليلا، ولعله لم يبلغ الحديث من فعل ذلك من الصحابة، كما أنه قال صاحب التقريب معتذرا: لو بلغ الخبر الشافعي لقال به لأنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي. ومثله قال الداودي معتذرا لمالك: لم يبلغ مالكا هذا الحديث فرأى العقوبة بقدر الذنب. ولو بلغه ما عدل عنه فيجب على من بلغه أن يأخذ به.
2 - (وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) قال: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي. وللحديث طرق كثيرة لا تخلو عن مقال. والإقالة: هي موافقة البائع على نقض البيع. وأقيلوا هنا مأخوذ منها والمراد هنا موافقة ذي الهيئة على ترك المؤاخذة له أو تخفيفها. وفسر الشافعي ذوي الهيئات بالذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة. والعثرات جمع عثرة والمراد هنا الزلة. وحكى الماوردي في ذلك وجهين: أحدهما أنهم أصحاب الصغائر دون الكبائر، والثاني من إذا أذنب تاب. وفي عثراتهم وجهان: أحدهما الصغائر: والثاني أول معصية يزل فيها مطيع.
واعلم أن الخطاب في أقيلوا للأئمة لأنهم الذين إليهم التعزير لعموم ولاتهم فيجب عليهم الاجتهاد في اختيار الأصلح لاختلاف ذلك باختلاف مراتب الناس وباختلاف المعاصي وليس له أن يفوضه إلى مستحقه ولا إلى غيره. وليس التعزير لغير الامام إلا لثلاثة: الأب فإن له تعزير ولده الصغير للتعليم والزجر عن سئ الأخلاق - والظاهر أن الأم في مسألة زمن الصبا في كفالته لها ذلك - وللأمر بالصلاة والضرب عليها، وليس للأب تعزير البالغ وإن كان سفيها والثاني: السيد يعزر رقيقه في حق نفسه وفي حق الله تعالى على الأصح. والثالث: الزوج له تعزير زوجته في أمر النشوز كما صرح به القرآن. وهل له ضربها على ترك الصلاة ونحوها؟
الظاهر أن له ذلك إن لم يكف فيها الزجر لأنه من باب إنكار المنكر، والزوج من جملة من يكلف بالانكار باليد أو اللسان أو الجنان والمراد هنا الأولان.
3 - (وعن علي رضي الله عنه قال: ما كنت لأقيم على أحد حدا فيموت فأجد في نفسي إلا شارب الخمر فإنه لو مات وديته) بتخفيف الدال المهملة وسكون المثناة التحتية أي غرمت ديته (أخرجه البخاري). فيه دليل على أن الخمر لم يكن فيه حد محدود من رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم فهو من باب التعزيرات، فإن مات ضمنه الامام، وكذا كل معزر يموت بالتعزير يضمنه الامام وإلى هذا ذهب الجمهور. وذهبت الهادوية: إلى أنه لا شئ فيمن مات بحد أو تعزير قياسا منهم للتعزير على الحد، بجامع أن الشارع قد أذن فيهما، قالوا:
ح وقول علي عليه السلام إنما هو للاحتياط. وتقدم الجواب بأنه إذا أعنت في التعزير دل على أنه غير مأذون فيه من أصله بخلاف الاعنات في الحد فإنه لا يضمن لأنه مأذون في أصله، فإن أعنت فإنه للخطأ في صفته، وكأنهم يريدون أنه لم يكن مأذونا في غير ما أذن به بخصوصه كالضرب مثلا، وإلا فهو مأذون في مطلق التعزير. وتأويلهم لقول علي عليه السلام ساقط فإنه صريح في أن ذلك واجب لا من باب الاحتياط ولان في تمام حديثه: لان رسول الله صلى الله