أخطأ ما عند الله وما هو في نفس الامر من الحق، وهذا الخطأ لا يعلم إلا يوم القيامة أو بوحي من الله تعالى. والكلام في الخطأ الذي يظهر له في الدنيا من عدم استكمال شرائط الحكم أو نحوه.
5 - (وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول:
لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان متفق عليه. النهي ظاهر في التحريم، وحمله الجمهور على الكراهة، وترجم النووي في شرح مسلم له: بباب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، وترجم البخاري: بباب هل يقضي القاضي أو يفتي المفتي وهو غضبان؟
وصرح النووي بالكراهة في ذلك. وإنما حملوه على الكراهة نظرا إلى العلة المستنبطة المناسبة لذلك، وهي أنه لما رتب النهي على الغضب والغضب بنفسه لا مناسبة فيه لمنع الحكم، وإنما ذلك لما هو مظنة لحصوله، وهو تشويش الفكر ومشغلة القلب عن استيفاء ما يجب من النظر وحصول هذا قد يفضي إلى الخطأ عن الصواب. ولكنه غير مطرد مع كل غضب ومع كل انسان، فإن أفضى الغضب إلى عدم تمييز الحق من الباطل فلا كلام في تحريمه، وإن لم يفض إلى هذا الحد فأقل أحواله الكراهة. وظاهر الحديث أنه لا فرق بين مراتب الغضب ولا بين أسبابه، وخصه البغوي وإمام الحرمين بما إذا كان الغضب لغير الله، وعلل بأن الغضب لله يؤمن معه من التعدي، بخلاف الغضب للنفس، واستبعده جماعة لمخالفته لظاهر الحديث والمعنى الذي لأجله نهي عن الحكم معه. ثم لا يخفى أن الظاهر في النهي التحريم وأن جعل العلة المستنبطة صارفة إلى الكراهة بعيد. وأما حكمه (ص) مع غضبه في قصة الزبير فلما علم من أن عصمته مانعة عن اخراج الغضب له عن الحق، ثم الظاهر أيضا عدم نفوذ الحكم مع الغضب، إذ النهي يقتضي الفساد. والتفرقة بين النهي للذات والنهي للوصف كما يقوله الجمهور غير واضح كما قرر في غير هذا المحل. وقد ألحق بالغضب الجوع والعطش المفرطان، لما أخرجه الدارقطني والبيهقي بسند تفرد به القاسم العمري وهو ضعيف عن أبي سعيد الخدري أن النبي (ص) قال: لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان وكذلك ألحق به كل ما يشغل القلب ويشوش الفكر من غلبة النعاس أو الهم أو المرض أو نحوها.
6 - (وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر فسوف تدري كيف تقضي قال علي: فما زلت قاضيا بعد: رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه ابن المديني وصححه ابن حبان. الحديث أخرجوه من طرق أحسنها رواية البزار عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي رضي الله عنه. وفي إسناده عمرو بن أبي المقدام، واختلف فيه على عمرو بن مرة فرواه شعبة عنه عن أبي البختري قال:
حدثني من سمع عليا رضي الله عنه أخرجه أبو يعلى وإسناده صحيح لولا هذا المبهم، وله طرق أخر تشهد له، ويشهد له الحديث الآتي، وهو قوله: