وإن زال الريح لان ذلك تغطية لا استحالة. وقال الخطابي: كرهه أحمد وأصحاب الرأي والشافعي وقالوا: لا تؤكل حتى تحبس أياما. قلت: قد عين في الحديث حبسها أربعين يوما، وكان ابن عمر يحبس الدجاجة ثلاث أيام. ولم ير مالك بأكلها بأسا من غير حبس.
وذهب الثوري ورواية عن أحمد إلى التحريم كما هو ظاهر الحديث. ومن قال يكره ولا يحرم قال: لان النهي الوارد فيه إنما كان لتغير اللحم وهو لا يوجب التحريم بدليل المذكى إذا جف. ولا يخفى أن هذا رأي في مقابلة النص، ولقد خالف الناظرون هنا السنة، فقال المهدي في البحر: المذهب والفريقان: وندب حبس الجلالة قبل الذبح، الدجاجة ثلاثة أيام، والشاة سبعة والبقرة والناقة أربعة عشر وقال مالك: لا وجه له. قلنا:
لتطييب أجوافها ا ه. والعمل بالأحاديث هو الواجب وكأنهم حملوا النهي على التنزيه ولا ينهض عليه دليل. وأما مخالفتهم للتوقيف فلم يعرف وجهه.
10 - (وعن أبي قتادة رضي الله عنه في قصة الحمار الوحشي: فأكل منه النبي (ص) متفق عليه. تقدم ذكر قصة الحمار هذا الذي أهداه أبو قتادة في كتاب الحج. وفي هذا دلالة على أنه يحل أكل لحمه وهو إجماع. وفيه خلاف شاذ أنه إذا علف وأنس صار كالأهلي.
11 - (وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: نحرنا على عهد رسول الله (ص) فرسا فأكلناه متفق عليه. وفي رواية: ونحن بالمدينة. وفي رواية الدارقطني هنا فأكلناه نحن وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث دليل على حل أكل لحم الخيل، وتقدم الكلام فيه، لأن الظاهر أنه (ص) علم ذلك وقرره، كيف وقد قالت: إنه أكل منه صلى الله عليه وسلم. وقالت هنا: نحرنا، وفي رواية الدارقطني: ذبحنا، فقيل: فيه دليل على أن النحر والذبح واحد، قيل: ويجوز أن يكون أحد اللفظين مجازا إذ النحر للإبل خاصة وهو الضرب بالحديد في لبة البدنة حتى تفرى أوداجها والذبح هو قطع الأوداج في غير الإبل. قال ابن التين: الأصل في الإبل النحر وفي غيرها الذبح وجاء في البقرة: * (فذبحوها) * وفي السنة نحرها. وقد اختلف العلماء في نحر ما يذبح وذبح ما ينحر، فأجازه الجمهور والخلاف فيه لبعض المالكية. وقوله في الحديث ونحن بالمدينة يرد على من زعم أن حلها قبل فرض الجهاد فإنه فرض أول دخولهم المدينة.
12 - (وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أكل الضب على مائدة رسول الله (ص) متفق عليه. فيه دليل على حل أكل الضب وعليه الجماهير وحكى عياض عن قوم تحريمه وعن الحنفية كراهته وقال النووي: أظنه لا يصح عن أحد فإن صح فهو محجوج بالنص وبإجماع من قبله. وقد احتج القائلون بالتحريم بما أخرجه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الضب وفي إسناده إسماعيل بن عياش ورجاله شاميون وهو قوي في الشاميين فلا يتقول الخطابي: ليس إسناده بذلك، ولا قول ابن حزم: فيه ضعيف ومجهولون، فإن رجاله ثقات كما قاله المصنف، ولا قول