تباعد عنهما إلا بإذنهما، لان افتتاحهما الكلام سرا وليس عندهما أحد دل على أنهما لا يريدان الاطلاع عليه. وقد يكون لبعض الناس قوة فهم إذا سمع بعض الكلام استدل به على باقيه فلا بد منه له من معرفة الرضا فإنه قد يكون في الاذن حياء وفي الباطن الكراهة. ويلحق باستماع الحديث استنشاق الرائحة ومس الثوب واستخبار صغار أهل الدار ما يقول الأهل والجيران من كلام أو ما يعملون من الأعمال. وأما لو أخبره عدل عن منكر جاز له أن يهجم ويستمع الحديث لإزالة المنكر.
29 - (وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس أخرجه البزار بإسناد حسن. طوبى: مصدر من الطيب، أو اسم شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها. والمراد أنها لمن شغله النظر في عيوبه، وطلب إزالته أو الستر عليها عن الاشتغال بذكر عيوب غيره والتعرف لما يصدر منهم من العيوب، وذلك بأن يقدم النظر في عيب نفسه إذا أراد أن يعيب غيره فإنه يجد من نفسه ما يردعه عن ذكر غيره.
30 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): من تعاظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان أخرجه الحاكم ورجال ثقات. تفاعل يأتي بمعنى فعل مثل توانيت بمعنى ونيت فيه مبالغة، وهو المراد هنا: أي من عظم نفسه إما باعتقاد أنه يستحق التعظيم فوق ما يستحقه غيره ممن لا يعلم استحقاقه الإهانة. ويحتمل هنا أن تعاظم بمعنى تعظم مشددة أي اعتقد في نفسه أنه عظيم كتكبر اعتقد أنه كبير، أو يكون تفاعل بمعنى استفعل أي طلب أن يكون عظيما وهذا يلاقي معنى تكبر، والكبر كما قال المهدي في كتاب تكملة الاحكام: هو اعتقاد أنه يستحق من التعظيم فوق ما يستحقه غيره ممن لا يعلم استحقاقه الإهانة. وقد أخرج مسلم والحاكم والترمذي من حديث ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس. قيل: هو أن يتكبر عن الحق فلا يراه حقا. وقيل: هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله.
وقال النووي: معناه الارتفاع عن الناس واحتقارهم ودفع الحق وإنكاره ترفعا وتجبرا. وجاء في رواية الحاكم ولكن الكبر من بطر الحق وازدرى الناس فبطر الحق دفعه ورده. وغمط الناس - بفتح المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة - هو احتقارهم وازدراؤهم، هكذا جاء مفسرا عند الحاكم، قاله المنذري، ولفظة من رويت بالكسر لميمها على أنها حرف جر وبفتحها على أنها موصولة، والتفسير النبوي دل على أنه ليس من قبيل الاعتقاد وإنما هو بمعنى عدم الامتثال تعززا وترفعا واحتقارا للناس. وقال ابن حجر في الزواجر: الكبر إما باطن وهو خلق في النفس واسم الكبر بهذا أحق، وإما ظاهر وهو أعمال تصدر من