نوى صح، ولذا نقل في البحر عن المحيط أنه يصدق قضاء أيضا، وعلله في البدائع بأنه نوى حقيقة كلامه، ثم نقل عن الكشف أنه إنما يصدق ديانة فقط، وقال: لأنه خلاف الظاهر، لان الانسان إنما يمنع نفسه عما يقدر عليه والكل ليس في وسعه، وفيه تخفيف عليه أيضا، وتمامه فيه.
أقول: ويظهر لي ترجيح الأول، لأنه إذا نوى البعض إنما يصدق ديانة فقط كما يأتي، وهذا لا نزاع فيه، ويلزم منه أن يصدق قضاء وديانة إذا نوى الكل، لأن عدم تصديقه في الأول قضاء، لأنه خلاف ظاهر اللفظ، فيكون الظاهر العموم، وإلا لزم تصديقه اقتضاء في نية الخصوص. وفي تلخيص الجامع: إن كلمت بني آدم أو الرجال أو النساء حنث بالفرد، إلا أن ينوي الكل، قال شارحه: فيصدق ديانة وقضاء لا يحنث أبدا، لان الصرف إلى الأدنى عند الاطلاق لتصحيح كلامه، فإذا نوى الكل فقد نوى حقيقة كلامه فيصدق، وقيل: لا يصدق قضاء لان الحقيقة مهجورة ا ه.
وسيأتي هذا آخر الباب، وتعبيره عن الثاني بقبل يفيد ضعفه، وترجيح الأول كما قلنا، فافهم. قوله:
(دين) أي يؤكل إلى دينه فيما بينه وبين ربه تعالى، وأما القاضي فلا يصدقه لأنه خلاف الظاهر، وقدمنا في الطلاق أن المرأة كالقاضي. قوله: (لأنه نكرة في سياق الشرط فتعم) لان الحلف في الشرط المثبت يكون على نفيه، فقوله إن لبست ثوبا في معنى: لا ألبس ثوبا. قوله: (إلا في ثلاث فيدين الخ) يعني لو قال: إن خرجت فعبدي حر نوى السفر مثلا، أو إن ساكنت فلانا فعبدي حر ونوى المساكنة في بيت واحد يدين، لان الخروج في نفسه متنوع إلى سفره وغيره حتى اختلفت أحكامهما، فقبلت إرادة أحد نوعيه، وكذا المساكنة متنوعة إلى كاملة هي المساكنة في بيت واحد، ومطلقة وهي ما تكون في دار، فإرادة المساكنة في بيت إرادة أخص أنواعها كما في الفتح.
وحاصله: أن النية صحت هنا لكون المصدر متنوعا باعتبار عمومه، فهو تخصيص أحد نوعي الجنس وزاد في تلخيص الجامع: إن اشتريت ونوى الشراء لنفسه: أي فتصح نيته ديانة، وإن لم يذكر المفعول لتنوع الشراء، فإنه تارة يكون لنفسه، وتارة يكون لموكله ولذا رتب على الأول الملك لنفسه، وعلى الثاني الملك للموكل، وهذا بخلاف ما إذا نوى الخروج لبغداد أو المساكنة بالإجارة أو الشراء لعبد، فإن الفعل فيه غير متنوع، فلم يصح تخصيصه بالنية بدون ذكر، كما في شرح التلخيص.
قلت: ونظير ذلك ما إذا قال أنت بائن ونوى الثلاث أو الواحدة يصح، بخلاف نية الثنتين، لان البينونة نوعان: غليظة، وخفيفة، فتصح نية إحداهما بخلاف الثنتين لأنه عدد محض كما مر تقريره في محله لكنه يصدق في نية البينونة قضاء. قال في الفتح: وكذا لو حلف لا يتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية لا يصح، لأنه تخصيص الصفة، ولو نوى حبشية أو عربية صحت ديانة لأنه تخصيص الجنس، ثم قال: وكون إرادة نوع ليس تخصيصا للعام مما لا يقبل المنع لأنه لا يخرج عن قصر عام على بعض متناولاته ا ه.
أقول: قد يقال لا عموم هنا ولا تخصيص لعام، وإنما هو إرادة أحد محتملي اللفظ المشترك أو أحد نوعي الجنس كما في التوضيح والتلويح، والأول أولى، وبيانه أن الخروج مشترك بين سفر