وقدمنا عن البدائع خروج هذه المذكرات بقوله: عبادة مقصودة على أنه يرد عليه دخول المسجد للطواف، ولصلاة الجمعة إذا كان الامام فيه فإن الدخول حينئذ فرض لكنه ليس مقصودا لذاته، وكذا عيادة الوالدين إذا احتاجا إليه لان برهما فرض، وقدمنا أن المشروط كونه عبادة مقصودة هو المنذور. قوله: (ولو مسجد الرسول (ص)) الأولى ذكر مسجد مكة لأنه المتوهم ط. قوله: (وهذا هو الضابط) الإشارة إلى ما ذكره من أن ما ليس من جنسه فرض لا يلزم. وعبارة الدرر: المنذور إذا كان له أصل في الفروض لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف، وما لا أصل له في الفروض فلا يلزم الناذر كعبادة المريض، وتشييع الجنازة، ودخول المسجد، وبناء القنطرة، والرباط، والسقاية ونحوها، وهذا هو الأصل الكلي، قوله: (فزاد) أي على الشرطين المارين في المتن. قوله: (أن لا يكون معصية لذاته) قال في الفتح: وأما كون المنذور معصية يمنع انعقاد النذر فيجب أن يكون معناه إذا كان حراما لعينه أو ليس فيه جهة قربة، فإن المذهب أن نذر صوم يوم العيد ينعقد، ويجب الوفاء بصوم يوم غيره ولو صامه خرج عن العهدة، ثم قال بعد ذلك: قال الطحاوي: إذا أضاف النذر إلى المعاصي كلله علي أن أقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث اه.
قلت: وحاصله أن الشرط كونه عبادة، فيعلم منه أنه لو كان معصية لم يصح، فهذا ليس شرطا خارجا عما مر، لكن صرح به مستقلا لبيان أن ما كان فيه جهة العبادة يصح النذر به لما مر من أنه يلزم الوفاء بالنذر من حيث هو قربة لا بكل وصف التزمه به، فصلح التزام الصوم من حيث هو صوم مع إلغاء كونه في يوم العيد، ولذا قال في الفتح: إن قلت من شروط النذر كونه النذر بغير معصية، فكيف قال أبو يوسف: إذا نذر ركعتين بلا وضوء يصح نذره خلافا لمحمد.
فالجواب أن أبا يوسف صححه بوضوء، لأنه حين نذر ركعتين لزمتاه بوضوء، لان التزام المشروط التزام الشرط، فقوله بعده: بغير وضوء لغو لا يؤثر، ونظيره إذا نذر بلا قراءة ألزمناه ركعتين بقراءة أو نذر أن يصلي ركعة واحدة ألزمناه ركعتين أو ثلاثة ألزمناه بأربع اه. وتمامه فيه.
قوله: (لأنه لغيره) أي لان كونه معصية لغيره وهو الاعراض عن ضيافة الحق تعالى. قوله: (وأن لا يكون واجبا عليه قبل النذر) في أضحية البدائع: لو نذر أن يضحي شاة، وذلك في أيام النحر، وهو موسر فعليه أن يضحي بشاتين عندنا شاة للنذر وشاة بإيجاب الشرع ابتداء، إلا إذا عني به الاخبار عن الواجب عليه، فلا يلزمه إلا واحدة، ولو قبل أيام النحر لزمه شاتان، بلا خلاف، لان الصيغة لا تحتمل الاخبار عن الواجب، إذ لا وجوب قبل الوقت، وكذا لو كان معسرا ثم أيسر في أيام النحر لزمه شاتان اه.
والحاصل أن نذر الأضحية صحيح، لكنه ينصرف إلى شاة أخرى غير الواجبة عليه ابتداء بإيجاب الشرع، إلا إذا قصد الاخبار عن الواجب عليه، وكان في أيامها، مثله ما لو نذر الحج لان الأضحية والحج قد يكونان غير واجبين، بخلاف حجة الاسلام فإنها نفس الواجب عليه لأنها اسم لفريضة العمر كصوم رمضان وصلاة الظهر فلا يصح النذر بها، بخلاف ما قد يكون تطوعا واجبا