فهذا لا يجوز، وكذا إذا قال: ما أصبتم فلكم، ولم يقل بعد الخمس، فإن فعله مع السرية جاز، وذلك أن المقصود من التنفيل التحريض على القتال، وإنما يحصل ذلك بتخصيص البعض بشئ، وفي التعميم إبطال تفضيل الفارس على الراجل وإبطال الخمس أيضا إذا لم يستثن اه.
قلت: وما ذكره من صحته للسرية صرح به في الهداية والاختيار والزيلعي. لكن نقل في البحر عن الكمال التسوية بين العسكر والسرية في عدم الصحة حيث قال: لو قال للعسكر كل ما أخذتم فهو لكم بالسوية بعد الخمس أو للسرية: لم يجز، لان فيه إبطال السهمين اللذين أوجبهما الشرع، إذ فيه تسوية الفارس بالراجل، وكذا لو قال: ما أصبتم فهو لكم ولم يقل بعد الخمس، لان فيه إبطال الخمس الثابت بالنص. ذكره في السير الكبير. قال الكمال: وهذا بعينه يبطل ما ذكرناه من قوله: من أصاب شيئا فهو له، لاتحاد اللازم فيهما، وهو بطلان السهمين المنصوصين بالتسوية، بل وزيادة حرمان من لم يصب شيئا أصلا بانتهائه، فهو أولى بالبطلان، والفرع المذكور من الحواشي وبه أيضا ينتفي ما ذكر: أي صاحب الهداية من قوله: إنه لو نفل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى المصلحة. وفيه زيادة إيحاش الباقين وزيادة الفتنة اه. وتبعه في النهر.
أقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق: لا تنافي بين ما نقله الجماعة وما نقله الكمال بحمل الأول على السرية المبعوثة من دار الحرب، والثاني على المبعوثة من دار الاسلام، وبه يندفع ما أورده الكمال على الفرع المنقول عن الحواشي وغيره، كما يعلم مما ذكره الامام السرخسي في السير الكبير في مواضع متفرقة منه.
وحاصله: أن السرية إن كانت مبعوثة من دار الحرب بأن دخل الامام مع الجيش ثم بعث سرية ونفل لهم ما أصابوا جاز، لأنهم قبل التنفيل لا يختصون بما أصابوا، وهذا التنفيل للتخصيص على وجه التحريض، وإن كانت السرية مبعوثة من دار الاسلام لم يكن له ذلك، وكذا لو نفل لهم الثلث بعد الخمس، أو قبل الخمس كان باطلا، لأنه ما خص بعضهم بالتنفيل، وليس مقصوده إلا إبطال الخمس أو إبطال تفصيل الفارس على الراجل، فلا يجوز، كما لو قال: لا خمس عليكم فيما أصبتم، أو الفارس والراجل سواء فيما أصبتم فإنه يكون باطلا، فكذا كل تنفيل لا يفيد إلا ذلك باطل، بخلاف قوله: من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أصاب منكم شيئا فهو له دون باقي أصحابه، فإنه يجوز لان فيه معنى التخصيص للتحريض، لان القاتل يختص بالنفل، دون باقي أصحابه، وهذا وإن كان فيه إبطال الخمس عن الأسلاب، لكن المقصود منه التحريض، وتخصيص القاتلين بإبطال شركة العسكر عن الأسلاب ثم يثبت إبطال الخمس عنها تبعا، وقد يثبت تبعا ما لا يثبت قصدا كالشرب والطريق في البيع والوقف في المنقول يثبت تبعا للعقار، وإن كان لا يثبت قصدا، ويوضحه أن الامام لو ظهر على بلدة له أن يجعلها خراجا، ويبطل منها سهام من أصابها والخمس، ولو أراد قسمتها بين الغانمين ويجعل حصة الخمس خراجا لمقاتلة الأغنياء لم يكن له ذلك لأنه إبطال الخمس مقصودا، فلا يجوز، وفي الأول يثبت إبطاله تبعا لابطال حق الغانمين في الغنيمة، فيجوز وإن كان في الموضعين تخلص المنفعة للمقاتلة اه. ملخصا من مواضعه.
والذي تحرر منه ومما مر: أن تنفيل كل العسكر بكل المأخوذ أو ثلثه مثلا بعد إخراج الخمس أو قبله لا يصح وكذا تنفيل السرية المبعوثة من دارنا لأنها بمنزلة العسكر، والتنفيل هو تخصيص