وحاصل كلام الشرنبلالي أن المعتبر الاشتباه وعدمه فقط دون اختلاف المكان، فإن حصل الاشتباه منع، سواء اتحد المكان أو لا، وإلا فلا.
واعترضه العلامة نوح أفندي بأن المشهور من مذهب النعمان أن الاقتداء لا يجوز عند اختلاف المكان، والمكان في مسألة الظهيرية مختلف كما صرح به قاضيخان، فالصحيح أنه لا يصح ا ه.
أقول: ويؤيده أن الشرنبلالي نفسه صرح في الامداد بأنه لا يصح اقتداء الراجل بالراكب وعكسه، ولا الراكب بالراكب لاختلاف المكان، إلا إذا كان راكبا دابة أمامه، وكذا ما ذكروه من أن من سبقه الحدث فاستخلف غيره ثم توضأ يلزمه العود إلى مكانه ليتم مع خليفته إن كان بينهما ما يمنع الاقتداء لئلا يختلف المكان. وأما ما صححه في الظهيرية في مسألة السطح فالظاهر أنه بناء على ما إذا كان السطح متصلا بالمسجد، فحينئذ يصح الاقتداء ويكون ما في الخانية مبنيا على عدم الاتصال المذكور، بدليل أنه في الخانية علل للمنع بكثرة التخلل واختلاف المكان: أي لكون صحن الدار فاصلا بين السطح والمسجد فيفي أنه لولا ذلك لصح الاقتداء، ويؤيده ما في البدائع حيث قال: لو كان على سطح بجنب المسجد متصل به ليس بينهما طريق فاقتدى به: صح اقتداؤه عندنا، لأنه إذا كان متصلا به صار تبعا لسطح المسجد، وسطح المسجد له حكم المسجد، فهو كاقتدائه في جوف المسجد إذا كان لا يشتبه عليه حال الامام ا ه.
فأنت ترى كيف علل الصحة بالاتصال كما علل في الخانية لعدمها بعدمه. وقد جزم صاحب الهداية في مختارات النوازل بأن العبرة للاشتباه، ثم قال بعده: وإن قام على سطح داره واقتدى بالامام إن لم يكن بينهما حائل ولا شارع يصح ا ه فيتعين حمل ما في الظهيرية على ما إذا لم يكن حائل كما قلنا، فيصح الاتحاد المكان.
وأما ما نقله الشرنبلالي عن البرهان فليس فيه تصحيح الاقتداء مع اختلاف المكان، لأنه بتخلل الحائط لا يختلف المكان كما قدمناه عن قاضيخان. وفي التاترخانية: وإن صلى على سطح بيته المتصل بالمسجد، ذكر شمس الأئمة الحلواني أنه يجوز، لأنه إذا كان متصلا بالمسجد لا يكون أشد حالا من منزل بينه وبين المسجد حائط، ولو صلى رجل في مثل هذا المنزل وهو يسمع التكبير من الامام أو المكبر يجوز، فكذلك القيام على السطح ا ه فقد تحرر بما تقرر أن اختلاف المكان مانع من صحة الاقتداء ولو بلا اشتباه، وأنه عند الاشتباه لا يصح الاقتداء وإن اتحد المكان. ثم رأيت الرحمتي قرر كذلك، فاغتنم ذلك. قوله: (أن الصحيح اعتبار الاشتباه فقط) أي ولا عبرة باختلاف المكان بناء على ما فهمه الشرنبلالي. وليس ذلك بمراد، لما علمت من أن اختلاف المكان مانع، وإنما المراد التوفيق بين رواية الحسن عن الامام أن الحائط يمنع الاقتداء ورواية الأصل أنه لا يمنع، فقيل إنه بإمكان الوصول منه وعدمه، واختار شمس الأئمة اعتبار الاشتباه وعدمه، وهذا هو الذي اختاره جماعة من المتأخرين، وقدمناه أيضا عن مختارات النوازل والبدائع. قال في الخانية: لان الاقتداء متابعة ومع الاشتباه لا يمكنه المتابعة. والذي يصحح هذا الاختيار ما روينا أن رسول الله (ص) كان يصلي في حجرة عائشة والناس يصلون بصلاته ونحن نعلم أنهم ما كانوا متمكنين من الوصول إليه في الحجرة ا ه. قوله: (ومفتاح السعادة) في بعض النسخ زيادة: ومجمع الفتاوى،