الزيلعي أن الترتيب المذكور واجب على المسبوق وليس كذلك، بل مراده أنه واجب على غيره بدليل مسألة المسبوق.
وبيان ذلك أنه لو اقتدى في ثالثة الرباعية مثلا لا يجوز له أن يصلي أول صلاة إمامه الذي فاته، ولو فعل فسدت صلاته لانفراده في موضع الاقتداء، بل يجب عليه متابعته فيما أدركه، ثم إذا سلم يقضي ما فاته وهو أول صلاته، إلا من حيث القعدات فقد وجب على المسبوق عكس الترتيب، ولو كان الترتيب فرضا لكان ما يقضيه آخر صلاته حقيقة من كل وجه فلا يقرأ السورة ولا يجهر، والدليل على ما قلنا من أن مراد الزيلعي وجوب الترتيب على غير المسبوق ما في الفتح حيث قال: أو في كل الصلاة كالركعات إلا لضرورة الاقتداء حيث يسقط به الترتيب، فإن المسبوق يصلي آخر الركعات قبل أولها ا ه. فمن ظن أن كلام الفتح مخالف لكلام الزيلعي فقد وهم، نعم كلام الفتح أظهر في المراد، فافهم.
فإن قلت: وجوب الشئ إنما يصح إذا أمكن ضده وعدم الترتيب بين الركعات غير ممكن، فإن المصلي كل ركعة أتى بها أولا فهي الأولى وثانيا فهي الثانية وهكذا.
قلت: يمكن ذلك لأنه من الأمور الاعتبارية التي تبتنى عليها أحكام شرعية إذا وجد معها ما يقتضيها، فإذا صلى من الفرض الرباعي ركعتين وقصد أن يجعلهما الأخيرتين فهو لغو، إلا إذا حقق قصده، بأن ترك فيهما القراءة وقرأ فيما بعدهما، فحينئذ يبتنى عليه أحكام شرعية وهي وجوب الإعادة والاثم لوجود ما يقتضي تلك الأحكام، ولهذا اعتبر الشارع صلاة المسبوق غير مرتبة من حيث الأقوال فأوجب عليه عكس الترتيب، مع أن كل ركعة أتى بها أولا فهي الأولى صورة لكنها في الحكم ليست كذلك، فكما أوجب الشارع عليه عكس الترتيب بأن أمره بأن يفعل يبتني على ذلك من قراءة وجهر، كذلك أمر غيره بالترتيب بأن يفعل ما يقتضيه بأن يقرأ أولا ويجهر ويسر، وإذا خالف يكون قد عكس الترتيب حكما، ولهذا عبر المصنف كالكنز وغيره بقوله: ورعاية الترتيب: أي ملاحظته باعتبار الاتيان بما يجب أولا في الأول أو آخرا في الآخر.
والحاصل أن المصلي إما منفرد أو إمام أو مأموم، فالأولان يظهر فيهما ثمرة الترتيب بما ذكرنا، ولو سلمنا عدم ظهور الثمرة فيهما تظهر في المأموم، فإنه إما مدرك أو مسبوق فقط، أو لاحق فقط، أو مركب على ما سيأتي بيانه في محله.
أما المدرك فهو تابع لامامه فحكمه حكمه. وأما المسبوق فقد علمت أن اللازم عليه عكس الترتيب. وأما اللاحق فالواجب عليه الترتيب بعكس المسبوق. وعند زفر: الترتيب فرض عليه، فإذا أدرك بعض صلاة الامام فنام فعليه أن يصلي أولا ما نام فيه بلا قراءة ثم يتابع الامام، فلو تابعه أولا ثم صلى ما نام فيه بعد سلام الامام جاز عندنا وأثم لتركه الواجب. وعند زفر: لا تصح صلاته. قال في السراج عن الفتاوى: المسبوق إذا بدأ بقضاء ما فاته فإنه تفسد صلاته وهو الأصح، واللاحق إذا تابع الامام قبل قضاء ما فاته لا تفسد خلافا لزفر ا ه.
وأما المركب كما لو اقتدى في ثانية الفجر فنام إلى أن سلم الامام، فهذا لاحق ومسبوق ولم يصل شيئا فيصلي أولا الركعة التي نام فيها بلا قراءة ثم التي سبق بها بقراءة، وإن عكس صح وأثم لتركه الترتيب الواجب فيجب عليه إعادة الصلاة، سواء كان عامدا لأدائها مع كراهة التحريم أو ساهيا