المسألة الفرعية بل في المسألة الأصولية، ضرورة ان الأخذ بخبر الثقة أخذ بما هو حجة في الفقه ووجوب الأخذ بأحد الخبرين يجعله حجة على الواقع فيكون تخييرا في المسألة الأصولية، انما الكلام في ان معنى التخيير في المسألة الأصولية هل هو جعل أحد الخبرين طريقا وأمارة إلى الواقع، أو يكون من قبيل الأصل المعول عليه لدى الشك في الوظيفة، أو لا ذاك ولا ذلك كما سنشير إليه.
ويرد على الأول اما أولا - فلان جعل الطريقية والكاشفية مما لا يمكن كما مر الكلام فيه في مباحث الظن واما ثانيا - فعلى فرض إمكانه فلا يمكن فيما نحن فيه لأدائه إلى جعل الطريق إلى المتناقضين فان أحد الخبرين المتعارضين إذا دل على وجوب شيء والاخر على حرمته فجعل الشارع أحدهما طريقا فاختار أحد المجتهدين أحدهما والاخر الاخر لازمه ان يكون كل منهما طريقا إلى الواقع فينجر إلى جعل الطريق الفعلي إلى المتناقضين، هذا، مع ان جعل الطريقية لأحدهما على سبيل الإبهام وجعل المكلف مخيرا بحيث تكون الطريقية منوطة بأخذ المكلف كما ترى.
ويمكن ان يستدل على الثاني بان ظاهر أدلة التخيير يقتضى ذلك لأن مفادها التوسعة للجاهل بالواقع، فهل مفاد قوله في رواية ابن الجهم: «فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت» الا كمفاد قوله: «الناس في سعة ما لا يعلمون» فمفادها ليس الا تعيين الوظيفة لدى الشك في الواقع فيكون من قبيل الأصل المعول عليه لدى الشك وهذا لا ينافي كون أحد الخبرين حجة على الواقع بعد إيجاب العمل على طبقه أو حجة للعبد إذا كان مفاد الأدلة التوسعة في الأخذ، لأن الحجة على الواقع غير الأمارة عليه، كما انه لو أوجب المولى الاحتياط في الشبهة البدوية فيصير حجة على الواقع بعد إيجابه ولا يمكن ان يكون طريقا إليه لأن نسبته إلى الواقع ومقابله على السواء، ففي ما نحن فيه ان أوجب الشارع الأخذ بأحدهما لا يجوز للعبد تركهما. فان ترك وصادف مخالفة الواقع يصح عقابه وليس له الاعتذار، كما انه لو عمل على طبق أحدهما وتخلف عن الواقع ليس للمولى عقوبته فيكون أحدهما حجة لا بجعل الحجية كما توهم بل بنفس إيجاب العمل، فتحصل من ذلك ان مفاد الأدلة هو كون التخيير من قبيل الأصل المعول عليه لدى الشك هذا لكن