فلا بد للمجتهد من اختيار أحدهما والإفتاء به ورجوع العامي به في المسألة الفرعية، أو يشترك العامي مع المجتهد في جميع المسائل الأصولية والفرعية لعدم الدليل على الاختصاص به بل الأدلة ظاهرة في خلافه، ومجئ الخبر لدى المجتهد لا العامي على فرض تسليمه لا يدل على اختصاصه بالحكم كما ان جميع الأدلة في الفروع والأصول تقوم لدى المجتهد ولم تكن مختصة به، بل الظاهر من قوله في رواية ابن الجهم: «فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت» ان الحكم الكلي لكل مكلف هو جواز العمل على طبق أحدهما وان هذه التوسعة حكم لجميع المكلفين كما ان الحال كذلك في جميع اخبار العلاج (نعم) يكون نظر المجتهد متعبا في تشخيص موارد الترجيح والتكافؤ لقصور نظر العامي عنه واما حكم المتعادلين أو ذي المزية فلم يكن مختصا به، وبالجملة ما يختص بالمجتهد هو الاجتهاد وبذل الجهد في تشخيص الترجيح والتعادل لا الحكم الكلي فإنه مشترك بين العباد وهذا هو الأقوى.
ثم انه بناء على عدم اختصاص التخيير بالمجتهد فهل يجب عليه الفتوى بالتخيير؟ أو يتخير بين ذلك وبين الأخذ بأحدهما والفتوى على طبقه؟ الظاهر هو الثاني، اما جواز الأخذ بأحدهما والفتوى على طبقه لأنه من شؤون التوسعة على الأخذ بأحدهما، فكما ان له الأخذ بأحدهما للعمل له الأخذ به للفتوى.
وان شئت قلت: كما ان أحد الخبرين حجة على المجتهد في عمل نفسه بناء على وجوب الأخذ وحجة له بناء على جوازه يكون حجة له في جواز الإفتاء به فيكون فتواه على طبق أحدهما فتوى بالحجة وعن الحجة وليست المسألة كالمسائل الفرعية، حيث يجب عليه الفتوى بالتخيير لا التعيين، لأن في هذه المسألة يكون مأمورا بالاخذ بأحدهما أو يكون الأخذ موسعا عليه، والأخذ بأحدهما حكمه جواز الإفتاء كجواز العمل، وفي الحكم الفرعي يكون التخيير الواقعي مشتركا بين العباد أي ان المكلفين مشتركون في العمل، وبالجملة ان هذه التفرقة جاءت من التفرقة بين المسألة الأصولية والفرعية.
واما جواز الإفتاء بالتخيير فلان المجتهد لما رأى ان الحكم المشترك بين العباد وجوب العمل على طبق أحد الخبرين أو التوسعة لهم في الأخذ بأحدهما يفتى بهذا