فاتضح مما ذكر أن ما يضطر إليه المكلف من إتيان المانع وترك الشرط أو الجزء مرفوع بلحاظ جميع الآثار، وبعضها وان كان عقليا الا ان شمول الحديث له لا مانع منه بعد كون منشأه بيد الشارع إثباتا ونفيا كما ان الأمر كذلك في مثل قاعدة التجاوز.
لكن التحقيق التفصيل بين الاضطرار إلى إيجاد المانع فيرفع المانعية بلسان رفع المانع ونحكم بصحة المأتي به، وبين الاضطرار إلى ترك الجزء والشرط، لأن الاضطرار إليه لا إليهما، فلا يمكن رفع الجزئية والشرطية بالحديث، ولا أثر لتركهما شرعا لأن وجوب الإعادة عقلي لا شرعي، وبقاء امر الشارع ليس أثرا لترك الجزء أو الشرط بل لازم عقلي لعدم الإطاعة أو موجب آخر للسقوط فالترك المضطر إليه لا أثر شرعي له حتى يرفع بلحاظه، والقياس بقاعدة التجاوز في غير محله لاختلاف لسانهما ومفادهما.
ومنها صحيحة الفضلاء قالوا: سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول ان التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله (1) ولا تكون الحلية قرينة على تخصيص كل شيء بالتكليفيات، ضرورة ان الحلية أعم من التكليفية والوضعية، الا ترى ان قوله تعالى:
«أحل الله البيع» ظاهر في الوضع، ومورد تمسكهم خلفا عن سلف لنفوذ البيع ومضيه من غير شبهة تأول وتجوز، فالحلال ليس في العرف واللغة والكتاب والحديث مختصا بالتكليف فالمحرم والمحلل عبارة عن الممنوع والمرخص فيه، فشرب الخمر لدى الاضطرار حلال مرخص فيه غير ممنوع والتكتف في الصلاة وترك السورة، ولبس الحرير فيها والإفطار عند سقوط الشمس، والوقوف بعرفات والمشعر قبل وقته كل ذلك إذا اضطر إليه ابن آدم أحله الله وأمضاه، والصلاة بالكيفية الكذائية والصوم والحج كذلك مرخص فيها وممضاة من قبل الله تعالى.
والحاصل انه يستفاد من الصحيحة رفع المنع تكليفا ووضعا عن كل شيء يضطر إليه ابن آدم، ونحن الآن لسنا بصدد بيان موضوع الاضطرار بل بصدد حكمه لدى تحققه ولا ريب في استفادة الوضع منها خصوصا مع ندرة موارد ابتلاء الشيعة في دار التقية في تلك