الطرق العقلية عاجزة عن التأثير على عقائد الناس وتحويلها، لعجزها عن التأثير على عواطفهم المتحكمة فيهم.
بل لا يقتصر هذا الأمر على الجمهور بما هو جمهور، فإن كل فرد من أفراد العامة إذا كان قليل الثقافة والمعرفة هو أبعد ما يكون عن الاقتناع بالطرق البرهانية أو الجدلية، بل أكثر الخاصة المثقفين - وإن ظنوا في أنفسهم المعرفة وحرية الرأي - ينجذبون إلى الطرق المقنعة المؤثرة على العواطف وينخدعون بها. بل لا يستغنون عنها في كثير من آرائهم واعتقاداتهم، بالرغم على قناعتهم بمعرفتهم وثقافتهم التي قد يتخيلون أنهم قد بلغوا بها الغاية.
فيجب أن تكون المخاطبة التي يتلقاها الجمهور والعامي وشبهه من نوع لا تكون مرتفعة ارتفاعا بعيدا عن درجة مثله. ولذا قيل: " كلم الناس على قدر عقولهم ". (1) ولم تبق لنا صناعة تناسب هذا الغرض غير صناعة الخطابة، فإن الأسلوب الخطابي أحسن شئ للتأثير على الجمهور والعامي. وكل شخص استطاع أن يكون خطيبا بالمعنى المقصود من الخطابة في هذا الفن فإنه هو الذي يستطيع أن يستغل الجمهور والعوام ويأخذ بأيديهم إلى الخير أو الشر.
فهذا وجه حاجتنا - معاشر الناس - إلى صناعة الخطابة. ولزم على من يريد قيادة الجمهور إلى الخير أن يتعلم هذه الصناعة، وهي عبارة عن معرفة طرق الإقناع.
فإن الخطابة أنجح من غيرها في الإقناع، كما أن الجدل في الإلزام أنفع.