أكان بالاعطاء أم بالأخذ يتم العقد فلا يمكن انفكاك أحد التمليكين فيها عن الآخر أما الهبة المعوضة فايجاب الواهب إنما يتضمن إنشاء تمليكه فقط، وبقبول المتهب يتم العقد فيتحقق التمليك المعوض، وأما التمليك العوض فتحققه يتوقف على إنشاء آخر من المتهب وقبول من الواهب فإذا لم يتحققا لم يتحقق مع تحقق التمليك المعوض فيمكن التفكيك بين التمليكين في الهبة ولا يمكن هنا. نعم يوهم قوله: لو لم يملكه الثاني... الخ أن التمليك العوض محتاج إلى إنشاء ابتدائي من الطرف الثاني فيكون منافيا لما ذكرناه لكنه ليس بمراد بقرينة قوله: والمعاملة هنا.. الخ إذ المراد من تقومها بالعطاء من الطرفين أن العطاء من أحدهما ايجاب ومن الآخر قبول، وأنه إذا تحققا تحقق التمليكان فهما يكونان بايجاب واحد وقبول واحد ولا يحتاج الثاني إلى ايجاب وقبول غير ما هما قوام المعاملة " وبالجملة ": الظاهر أن المراد ما ذكرنا وإن كان لا يخلو من خفاء ولا سيما مع قوله: لأنه إنما ملكه بإزاء... الخ إذ الأنسب في التعبير عما ذكرنا أن يقال: لأن التمليكين يحصلان بقبول واحد وهو الاعطاء الثاني " فإن قلت ": الايجاب المتضمن لجعل التمليك للغير بعوض تمليكه لعينه يقتضي استحقاق الموجب على طرفه التمليك فيكون مالكا عليه التمليك كما في جعل العمل عوضا فيجب الوفاء عليه بايجاد التمليك كما يجب عليه الوفاء بايجاد العمل فكيف يكون مجعولا بايجاب التمليك معه ولا يحتاج إلى جعل مستقل (قلت):
الأعمال الخارجية لما لم تكن صالحة للجعل الاعتباري كان معنى جعلها أعواضا جعل ملكيتها لمالك المعوض كما هو كذلك في الأعيان المجعولة أعواضا، أما التمليك ونحوه مما يصلح للجعل الاعتباري فيمكن جعلها أعواضا بلحاظ نفسها لا بلحاظ جعل ملكيتها كما يمكن الثاني أيضا، فإذا جعلت على النحو الأول كانت مجعولة بالايجاب المتضمن لجعل العوض، وإذا جعلت على النحو الثاني كان المجعول به ملكيتها لمالك المعوض لا جعل نفسها فيحتاج في جعلها إلى جعل آخر مستقل، وأما دعوى أن تمليك القابل وظيفة القابل فلا يمكن جعله بايجاب الموجب ففيها أنه لا مانع من ذلك ولذا يصح قولك: " تملكت مال زيد إذا قال زيد: " قبلت " (كما يصح اشتريت مال زيد)