للعباد فيهما من صنع. ولهم فيهما الاختيار من الاكتساب. فبشهوتهم الإيمان اختاروا المعرفة، فكانوا بذلك مؤمنين عارفين. وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود، فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلالا. وذلك بتوفيق الله لهم وخذلان من خذله الله. فبالاختيار والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم. (1) بيان: تعريفه تعالى نفسه لعباده، فضل ابتدائي من الله سبحانه، وهم يستطيعون التسليم والانقياد في مقابل ما عرفوا من الحق المبين أو إنكاره فيصيرون كافرين. وكذلك الجحود، يستطيع العباد إدامة الجحود أو التوبة عنه وعن سيئاتهم التي انجر الأمر بها إلى الجحود. غاية الأمر الفرق بين المعرفة والجحود أن المعرفة فضل ابتدائي والجحود مجازاة وعقاب على ما ارتكبوا من السيئات والمنكرات.
وعلى ذلك شواهد كثيرة في الكتاب والسنة. قال تعالى:
ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون. (2) روى العياشي عن محمد بن حكيم [الحكم - خ ل] قال:
كتبت رقعة إلى أبي عبد الله عليه السلام فيها: أتستطيع النفس المعرفة؟ قال: فقال: لا. فقلت: يقول الله: الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا؟ قال: هو كقوله: وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون.
قلت: يعاتبهم؟ قال: لم يعتبهم بما صنعت قلوبهم، ولكن يعاتبهم بما صنعوا. ولو لم يتكلفوا، لم يكن عليهم شئ. (3)