قلت: هذا عجيب من القول. فإنه ليس لصغر الشئ وكبره دخل في إفاضة الله تعالى العلم والعقل إليه.
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف أجابوه وهم ذر؟ قال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه. يعني في الميثاق. (1) وروى العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله:
ألست بربكم قالوا بلى قالوا بألسنتهم؟ قال: نعم، وقالوا بقلوبهم. فقلت: وأي شئ كانوا يومئذ؟ قال: صنع منهم ما اكتفى به. (2) 8 - فإن قلت: يظهر من بعض الروايات الواردة في هذا الباب أن الإنسان مجبور في أفعاله. فإنه قد ورد فيها أن أصحاب الشمال لا يستطيعون أن يكونوا من أصحاب اليمين، وكذا بالعكس.
قلت: كلا! إنه تعالى جهز الناس في هذا الموقف العظيم بالقدرة والاختيار، ثم عرف نفسه إليهم على حضور وعيان منه تعالى، ثم خاطبهم بقوله: ألست بربكم. فعن بينه واستطاعة آمن من آمن. وعن بينة واختيار كفر من كفر. فالمنكرون استحقوا بذلك من الله سبحانه أن يطردهم عن حضوره مجازاة على كفرهم واستدبارهم على الحق المبين. لكن مع ذلك كله شرط الله فيهم المشية على نفسه، أن يعودوا عن كفرهم وإنكارهم، يعد الله عليهم بالمغفرة والرحمة. فبعث فيهم أنبياءا مرسلين فشرعوا في التعليم والتزكية. وخاصة من الله عليهم إذ بعث فيهم حبيبه وصفيه صلى الله عليه وآله بقرآنه المجيد، فقام صلوات الله عليه وآله بالبلاغ وتعليم الحكمة والعلم والعرفان حتى بلغ عدة منهم أعلى درجات الكمال والإيمان. فهذه كلها تدل وتشهد