يمكن الالتزام بأن قد بمعنى الاستفهام.
قال الطبرسي: قال الجبائي: وهو تقرير على ألطف الوجوه. وتقديره: أيها المنكر للصانع وقدرته! أليس قد أتى عليك دهور لم تكن شيئا مذكورا ثم ذكرت؟!
وكل أحد يعلم من نفسه أنه لم يكن موجودا، ثم وجد. فإذا تفكر في ذلك، علم أن له صانعا صنعه ومحدثا أحدثه. (1) أقول: هذا المعنى، وإن كان حقا في حد نفسه، إلا أنه بمعزل عن سياق الآية ومفادها.
قيل: قد أتى على الإنسان قطعة محدودة من هذا الزمان الممتد غير المحدود والحال أنه لم يكن موجودا بالفعل، مذكورا في عداد المذكورات.
أقول: هذا المعنى أيضا خلاف الظاهر. فإن النفي في أمثال المقام متوجه إلى القيد والصفة. فالنفي في قولك: " ما جاءني القوم راكبين " متوجه إلى الركوب لا القوم، ومجئ القوم باق على حاله. فتفيد الآية الكريمة أن الإنسان الموجود العيني بالفعل، مضى عليه دهر وكان شيئا طي هذا الزمان، إلا أنه غير مذكور في جملة الخلق المذكورين إلى أن أصابته يد العناية الجديدة الإلهية فابتدأ خلق الإنسان خلقا جديدا بعد خلقه الأول من نطفة أمشاج. ويشهد على ذلك عدة من الروايات:
روى الكليني عن أحمد بن مهران مسندا عن مالك الجهني قال:
... وسألته عن قوله: هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا. فقال: كان مقدرا غير مذكور. (2) أقول: حيث إن مرتبة التقدير بعد مرتبة العلم - ضرورة أن التقدير إنما يكون بالعلم - فلا محالة يكون كل مقدر معلوما. فالإنسان المقدر هو المعلوم ولم يكن مذكورا في الخلق الموجودين.