إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون. (1) أقول: الآية الكريمة مسوقة لبيان شأن القرآن وعلو مقامه وأنه في كتاب مكنون، أي مكنون عن درك الحواس والأبصار والعقول. والظاهر أن الكتاب المكنون هو الصحيفة النورية التي يفيضها الله تعالى على من يشاء من أوليائه وحملة العلم. والمراد من كون القرآن فيه هو كونه معلوما بهذا العلم يعرفه من يحمل هذا العلم لا كونه معلوما بوجوده العيني ومجردا بتجرده.
ومن الواضح عند أولي الألباب أن كون هذه الأشياء والأعيان في الكتاب المبين وكون الكتاب المبين ظرفا لها، ليس هو الظرفية الحسية. والآيات الكريمة ظاهرة البيان صدرا وذيلا في أن هذه الأعيان غيوبها وشهاداتها مكشوفة بهذا الكتاب النوري لا يشذ عنه شئ. ولا دلالة من ظاهر اللفظ على كون الأشياء في العلم بنحو من الوجود التجردي وعلى وجود سابق في الأشياء. وليست الآيات مسوقة لهذا الحيث ولبيان الكون السابق للأشياء وطور بروزها وظهورها ونزولها إلى عالم الحس والشهادة. والقول بدلالة الآيات على كينونة الأشياء في العوالم النورية قبل مرتبة الإيجاد الخارجي، تحميل على القرآن الكريم. والقرآن الكريم لمناعة ساحته الكريمة، يتأبى عن دخول هذه الأقاويل في حريم علومه.
فالمتعين في المقام أن الكتاب المبين هو العلم والموجودات من الغيوب والشهادات معلومة به. وسنزيد لذلك توضيحا في البحث عن المشية والإرادة، إن شاء الله.