اقتداره واستطاعته ومالكيته تعالى للفعل في مرتبة فعليته ونقيضه وأضداده، أو هو علمه سبحانه بالنظام الواحد الأصلح، فيكون هو السبب الوحيد في فيضان هذا النظام عنه بالإيجاب واستحال تخلفه عنه في الأزل. وعليه هذه الحوادث المتجددة حسب النظر البدوي منطوية ومقدرة في العلم الأزلي ومستندة إلى أسبق عللها، فلا بد أن يحدث كل منها في ظرفه وموقعه طبق التقدير الأزلي وليست حادثة بمعناه الحقيقي، ويستحيل تخلف هذا عن العلم مع جميع أجزائه وحوادثه وشرائطه. فإن كل ما هو معلوم في الأزل في جملة النظام الخير لا بد أن يقع وما لم يكن معلوما فيستحيل وقوعه. فقد جف القلم بما كان وبما هو كائن إلى الأبد وقد فرغ من الأمر. فعلى هذا يكون القول بحدوث العالم بمعناه الحقيقي ونفي الأزلية بمعنى عدم تأثير الذات في الإيجاد، التزاما بالإمكان في ذاته تعالى على زعمهم. ومن هنا يعلم أن عدم التزام القوم بالقدرة فيه تعالى بالمعنى الذي ذكرناه، إنما هو لأجل فرارهم عن لزوم الإمكان على زعمهم الفاسد.
وقد صرحت محكمات الكتاب وقطعيات السنن على حدوث العالم بمعناه الحقيقي - أي، نفي أزلية ما سواه تعالى وتوحده سبحانه بالأزلية - لا الحدوث المصطلح عندهم. وواضح عند أولي الألباب أن نفي ما سواه في الأزل وتفرده تعالى بالأزلية، ليس لأجل الإمكان والنقص في فاعلية الفاعل والخالق سبحانه، بل هو لأجل شدة سلطانه وتمكنه واستيلائه وعلوه، سبحانه من أن يتعالى عليه الفعل على رغمه إيجابا. ضرورة أن تأثير الفاعل في الفعل وصدور الفعل عنه إيجابا ومتعاليا عليه ليس من كمال الفاعل، والعلم بصدور الفعل مع إيجاب المشية عليه تعالى غير جابر لتلك النقيصة. فكم من فرق بين صدور الفعل إيجابا عليه وإن كان عالما به وبين صدور الفعل عن سلطانه وتمكنه واقتداره. فالأول عجز وذلة وهوان، والثاني مجد وعزة وجلال. وعدم صدور الفعل أيضا ليس مستندا إلا إلى شدة سلطانه