بموقعيته يكون عارفا بالله سبحانه، إلا أن لوجدان العقل مراتب كثيرة بحسب مراتب كمالات العارفين فيكون لمعرفته تعالى أيضا درجات ومراتب مختلفة كثيرة فمن كانت استنارته بعقله أشد كان معرفته لله تبارك وتعالى أنور. والعقل أنور شاهد وأصدق برهان على معرفته تعالى خارجا عن الحدين: حد التعطيل والتشبيه. ولولا وجود العقل بهذا المعنى لم يكن لتصديق الله والإقرار به والإذعان لكل حقيقة دليل، فلا بد من معرفة العقل وموقعيته في أمثال المقام والاهتداء بنوره والعمل على طبقه والتسليم في مقابله.
إن قلت: في بعض هذه الروايات دلالة على أن العقل بالنظر والتوجه إلى الآيات والعلامات والتدبير العمدي والصنع المتقن والنظام المحكم، يعرف أن خالقا خلقها وصانعا صنعها ولا يستطيع أن ينكره وليس في هذه الروايات من ظهوره تعالى وتعريفه سبحانه نفسه للعقول عين ولا أثر؟
قلت: معنى هذه الروايات ومآلها أيضا إلى ظهوره تعالى وتجليه سبحانه وتعريفه نفسه للعقول أي: إن هذا إنما يكون بعد تعريفه تعالى نفسه لعباده وحضور العارف بين يديه سبحانه لأن معرفة عين الشاهد قبل صفته ومعرفة صفة الغائب قبل عينه وهو تعالى من خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد، فيعرف العبد بالعقل وظيفة العبودية من التواضع والأدب والإقرار والإذعان بالشؤون الواجبة بين العابد والمعبود.
وبالجملة، نتيجة هذه الروايات الشريفة هو الإقرار والإذعان بالله تعالى بعد تعريفه سبحانه نفسه إلى عباده لا الإقرار والإذعان بالصانع المتصور المتوهم الكلي الحاصل من القياس والبرهان المصطلح.
د - موقع العقل في معرفة الأنبياء والرسل روى الكليني عن الحسين بن محمد مسندا عن أبي يعقوب البغدادي قال: