المخلوقات مع كونها من أعظم آياته تعالى مخلوقة لله سبحانه بالبداهة، لا أنه مسوق لإثبات أمر مجهول مشكوك من باب تنظيم البرهان المنطقي في إثبات ذلك كي يكون تعالى متصورا بالوجوه والعناوين على سبيل الجزم، فعليه تكون هذه الآيات ذكرا وتذكرة لصانعها العليم الحكيم، وبالتوجه إلى الآيات، يتعرف تعالى إلى عباده فيعرفه العبد معرفة خارجة عن الحدين، حد التعطيل والتشبيه. فلا يزال يشتد معرفة العبد بالتوجه إلى الآيات وأسرارها إلى ما شاء الله ويريده.
قال تعالى:
والأنعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون *... * هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون * ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون * وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون * وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون * وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون * وعلامات وبالنجم هم يهتدون * أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون. (1) أقول: الآيات الواردة في هذا السياق كثيرة في القرآن الكريم، خارجة عن وسع إحصائنا. وهذه الآيات مسوقة لذكر نعمائه على عباده. وهي في عين أنها مسوقة في سياق الامتنان، تذكرة وذكرى إلى رحمانيته تعالى العامة التي يستفيد منها المؤن والكافر والصديق والعدو والبر والفاجر. فيقوم تعالى بإبقاء هذا النظام