الطريقين وشرب العطشان من أحد القدحين. وهؤلاء المساكين لم يدركوا ولم يعرفوا أن هذه الأمثلة ونظائرها ليست من هذا الباب، بل الفرار من أحد الطريقين والشرب من أحد القدحين نجاة من الهلاك وأمر مترجح وواجب بالضرورة، والتوقف في ترجيح أيهما شاء، لا محصل له. وكذلك الكلام في كل ما كان واجبا ببداهة العقل أو بحسب الشرع أو كان حسنا. سواء كان أمرا واحدا في مقابل تركه أو أمورا كثيرة واجبة أو حسنة في عرض سواء على البدل. فإذا اختار واحدا. فقد اختار واجبا وحسنا بالضرورة.
ومن العجيب ما ذكره المولى صدر الدين الشيرازي قال: " فلا تصغ إلى الأشاعرة القائلين بصدور الفعل من القادر من غير مرجح يرجح وجوده على عدمه في الواقع أو عنده، متمسكين بأمثلة جزئية. فإن عدم العلم بالترجيح الواقع من قدحي العطشان أو طريقي الهارب مثلا، من جملة أسباب خفية عنا يوجب وقوع شئ في أنفسنا يكون ذلك الشئ داعيا لنا في فعلنا، لا يوجب نفيه مطلقا.
كيف؟! والعابث والنائم والساهي لا ينفك أفاعيلها الصادرة عنها من غاية خيالية، وإن لم يكن عقلية أو فكرية، كتخيل لذة أو زوال حالة مملة. فإن التخيل غير الشعور بالتخيل وغير بقاء التخيل في الذكر، فلا ينبغي إنكاره لأجل عدم انحفاظه في الذكر ". (1) أقول: قد اضطرب كلامه واشتبه عليه الأمر وحكم أن الفاعل القادر العاقل قد أقدم على الفعل وما به الترجيح والترجيح مخفي عنه. وهذا ليس إلا عين الالتزام بإقدام الفاعل على الفعل من غير عناية بالمرجح في هذه الأمثلة ونظائرها. وقد غفل عن أن المرجح لقدحي العطشان وطريقي الهارب هو الفرار عن الموت وحبه للحياة والبقاء وهو أمر واجب عنده ولا يرضى بشئ دونه وهو شاعر به أشد الشعور.