والأسف أن أهل البحث والتحقيق في الأمر بين الأمرين، لم يأتوا بشئ مبين وليس في كلماتهم أمر مثبت يعتمد عليه في إبطال الجبر وإثبات الأمر بين الأمرين، بل كلامهم أشبه بالجبر.
قال المولى المحقق صدر الدين الشيرازي في معنى قوله عليه السلام: " لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ": " إذ ليس المراد منه أن في فعل العبد تركيبا من الجبر والتفويض، ولا أيضا معناه أن فيه خلوا عنهما، ولا أنه اختيار من جهة واضطرار من جهة أخرى، ولا أنه مضطر في صورة الاختيار، كما وقع في عبارة الشيخ رئيس الصناعة، ولا أن العبد له اختيار ناقص وجبر ناقص، بل معناه أنه مختار من حيث أنه مجبور ومجبور من الوجه الذي هو مختار، وأن اختياره بعينه اضطراره ". (1) وقال المولى المحقق الفيض الكاشاني بعد كلام طويل في معنى الأمر بين الأمرين: " فنحن في عين الاختيار مجبورون. فنحن إذن مجبورون على الاختيار ". (2) أقول: لا بد من الالتزام بحسب بداهة العقل وضرورة الكتاب والسنة أن الأمر بين الأمرين أمر ثالث يباين الجبر والتفويض وكذا الأمر المركب منهما.
وإن القدرة من الحقائق المجردة، تفاض للروح المادي اللطيف فيقدر، وتقبض عنه فيعجز. والفعل مستند إليها. ويكفي القدرة في إيجاد الفعل من دون احتياج إلى أمر آخر. نعم، الشخص القادر يفعل ما يفعل لمرجح مرضي ومطلوب بحسب العقل والشرع فيحمد، ويفعل أيضا الأمر المرجوح فيذم ويوبخ عليه. فعليه فمرجحات الفعل بحسب الخارج ليست دخيلة في تأثير القدرة وحاكمة عليها، بل القدرة في مرتبة مقدمة وحاكمة على جميع المرجحات، ولكن هذين العلمين مع