مغلطة وسفسطة واضحة. لأن الفعل لا يصدر من الفاعل القادر إلا بالقدرة والمالكية الذاتية فترجيح فعله وعدمه، لا يحتاج إلى مرجح آخر. والشاهد على ذلك أن الفاعل إذا شرع في فعل من أفعاله، يرى نفسه مالكا وقادرا في هذه المرتبة بعينها على أضداد هذا الفعل ونقائض أضداده أيضا، سواء كانت مترجحة أو مرجوحة في عرض سواء. ضرورة أن الفاعل القادر المالك هو المؤثر بذاته في الفعل وعدمه ولا يحتاج في إتيانه الفعل إلى مؤثر آخر.
نعم، الاحتياج إلى المرجح إنما هو لخروج الفعل عن المجازفة واللغوية فالمرجح إنما يقع في طول القدرة لا في عرضها والقدرة حاكمة عليه. فعلى هذا يختار المالك القادر الحكيم جهات الخير والكمال في أفعاله كي تكون أفعاله منزهة عن المجازفة والعبث ويمجد بها ويحمد عليها، ويجتنب المرجوحات والقبائح لقدسه عن ارتكابها واجتنابه عن اللوم والتوبيخ. فبهذا ينحل شبهة من قال في أفعال العباد بالجبر دون الاختيار وفي أفعاله تعالى من خلقه العالم وغيره بالقدم دون الحدوث.
فتبين مما ذكرنا أن الأفعال صادرة عن العباد عن قدرتهم واختيارهم وأن الله سبحانه قادر ومالك، يصطفي في أفعاله كمال الخير والإحسان، فيكون خلق العالم بالاصطفاء والانتخاب. وعلى هذا يكون خلق العالم في مرتبة متأخرة عن الاصطفاء والانتخاب. وهذا هو معنى الحدوث الحقيقي الذي هو المسبوقية بالعدم الصريح.
وفي الروايات الشريفة دلالة على نفي التفويض، ورد وتوبيخ على المفوضة أيضا. وفيها إيطال لمقالة الذين لم يعرفوا أن الله سبحانه هو الذي أقدرهم وأفاض إليهم الاستطاعة والقدرة وهم يملكونها بتمليكه سبحانه تمليكا حقيقيا. وحيث إن مالكية العبد في طول مالكيته تعالى، فلا محالة يكون الله سبحانه غير منعزل عن هذه القدرة والاستطاعة، بل يكون مالكا لما ملكهم وقادرا على ما عليه أقدرهم