فتحصل من جميع ما ذكرنا أن العلم مجد ذاتي وكمال حقيقي من دون حد ولا نهاية وواجب بذاته لذاته تعالى، وغني في وجوده عن المعلوم، ووجود المعلوم معه ليس شرطا في تحققه ووجوبه ولا في كونه كمالا له تعالى.
وأما القول بتابعية العلم للمعلوم - أي توقف وجود العلم على وجود المعلوم - بناءا على أن العلم حقيقة إضافية ولا تحصل ولا تحقق لواحد من العلم والمعلوم من دون وجود الآخر، والقول بمتبوعيته للمعلوم، أي إن العلم علة لوجود المعلوم والعلم أزلي والمعلوم أيضا كذلك، فكلا القولين مشتركان في احتياج العلم إلى المعلوم وفي أن مجد العلم وكونه كمالا يتوقف على المعلوم، إلا أن القول بالتابعية يوجب جهل الصانع في مرتبة الذات والقول بالمتبوعية يوجب أزلية المعلوم.
والقول بوساطة الصور والمثل في علمه تعالى بالأشياء الخارجية أيضا، التزام باحتياج علمه تعالى بالأشياء إلى الصور والمثل، والتزام بجهله تعالى بالأشياء والأعيان. مع أن لازم ذلك كون علمه تعالى بالأشياء علما حصوليا والعلم الحصولي ليس بعلم حقيقة، وإنما هو طريق إلى الواقع لمن لم يتمكن من العلم الواقعي والعيان الحقيقي بالأشياء.
على أن ذلك إنما يصح في مورد يصلح أن يكون ذات العالم قابلا لانطباع الصور فيه، والله عز وجل منزه عن انطباع الصور فيه، ولا دليل على أن ذاته تعالى تقبل الصور وتكون محلا لها.
وأيضا حيث إن الصور من لوازم ذاته تعالى والخارج لا يمكن أن يقع إلا طبق هذه الصور، فيستحيل التغيير والتبديل فيها، فينعزل تعالى عن التصرف في ملكه ومخلوقاته.
على أن ذلك عين قياس علمه تعالى وتشبيهه بعلم المخلوقين. وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.