الأصالة من الدليلين العقليين لما يكون أظهر بيانا وأنور مفادا. فأي ملازمة بين بطلان البرهان المنطقي وبين بطلان الدليل النقلي؟! وسيجئ مزيد توضيح لذلك إن شاء الله تعالى.
وثالثا: إن المعارف الإلهية من معرفته وتوحيده ونعوته إلى آخر أبحاث الإلهيات، إن كانت أمرا مجهولا مظلما تحتاج إلى إقامة البرهان وإثباتها بالوجوه والعناوين العامة، فيكون التعارض بين العقليين. وأما إن كان معرفة الصانع وتوحيده ونعوته أمرا فطريا ظاهر بذاته ودالا بالدليل عليه، فيكون البرهان القائم على خلافه، معارضا للأمر البديهي الذي يدل عليه المتواتر من الآيات والروايات، على ما سيتلى عليك إن شاء الله تعالى.
وأما الغيوب التي ضرب الله عليها الحجاب العمدي فنقول: قد يطلق لفظ الغيب ويراد منه ما كان غائبا عن الحواس والعقول والأفهام، إلا أنه ليس من المستحيل الوقوف عليه من طريق الأسباب والعلل العادية: مثل الوقائع الحادثة في أقطار العالم البعيدة. فإنها غيب عند قوم وشهادة عند آخرين. ومنه ما يمكن نيله والاطلاع عليه طبق السنن الجارية في باب التعاليم الدائرة اليوم. فينال ويدرك عدة من البحاثين والمتفكرين أمورا ويكشفون ما لم يطلع عليه أحد إلى يومنا هذا من الأسرار في الطبيعة.
وقد يطلق لفظ الغيب ويراد منه ما يستحيل الاطلاع عليه. وهو الذي ضرب الله عليه الحجاب العمدي. فلا يظهر الله سبحانه على غيبه أحدا من البشر طبق السنن الدائرة في باب التعاليم العادية. فينحصر العلم والاطلاع على تلك الغيوب المستورة تحت الحجاب العمدي بإفاضة العلم منه تعالى إلى عدة خاصة من المقربين الذين ارتضاهم لغيبة واختارهم لسره على نحو الإعجاز وخرق العادة استثناءا من سنة الأسباب والعلل. ولا يهمنا تحديد هذه الغيوب وتشخيصها تحقيقا. فيكفينا