هذه الآيات وما في معناها من الآيات محكمة الدلالة بنفوذ علمه تعالى بجميع ما سواه من دون فرق بين دقيقه وجليله، وجزئياته وكلياته. وحيث إن كل غيب عنده شهادة وكل سر عنده علانية، فلا غيب ولا سر بالنسبة إليه تعالى. والمراد من الغيب هو ما لم يكن ولم يوجد وكذلك الأعيان الموجودة التي حجب الله تعالى علمها عن عباده وما جرت سنته الحكيمة بإفاضة العلم بها في ألسنة أوليائه، مثل البرزخ والآخرة وما فيها من الحقائق. والله سبحانه هو العالم بهذه الغيوب في عرض سواء، سواء كان من الحوادث التي لما تكن أو من الجزئيات المنقضية المتبدلة المتغيرة، أو التي تحمل كل أثنى وما تغيض الأرحام، أو ما كان في معرض الزيادة والنقصان، أو ما كان مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات والأرض يأت بها الله ويحصيها تعالى، فهو سبحانه علم وعيان بالغيب بالمعاني التي ذكرناها وكذلك علم وشهادة بالمعدومات التي لن تكون أبدا أي، الفرضيات المستحيلة والممكنة التي ما جرت سنته على إيجادها.
فمرجع هذه الآيات إلى حيث النظام العلمي والتدبير العمدي. ضرورة أن أفعاله تعالى إنما ينشأ عن علم ومشية وإرادة وقدر وقضاء فيتجلى علمه سبحانه في هذا النظام المحكم والصنع المتقن بأعلى تجلياته مدهشا للعقول والأفهام. كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله:
الذي خلق سبع السماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير. (1) فيستدل بهذه الآيات على إثبات عالميته تعالى علما منزها ومقدسا عن التعطيل والتشبيه والتوهم والتصور. ويستدل بها أيضا على نفوذ علمه تعالى