ونفوذه وتمكنه. فوقوع الفعل وعدم وقوعه، مستند إلى كمال حقيقي، وهو القدرة التي هي عين الذات الأحدية مثل العلم والحياة، وهي المؤثرة في الوقوع واللاوقوع بحيث واحد بالحقيقة. وصريح الكتاب ومذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام، هو إنشاؤه تعالى الخلق وإبداؤه مقتدرا على ذلك ومتمكنا منه. ولا دليل للصدور الذي ذكروه من محكمات الكتاب وقطعيات السنن وضرورة العقول القويمة.
فقد تخلص أن صدور الشئ عن العلم صدورا ضروريا وامتناع عدم الصدور امتناعا ذاتيا بحسب الواقع، هو نفس الالتزام بالإيجاب. وكونه تعالى موجبا - بالفتح - وتسمية ذلك قدرة - في عين إنكار القدرة بالمعنى الذي ذكرناه - تسمية كاذبة وتلبيس للحق وإغفال لضعفاء المحصلين. فإن لله الأمر من قبل ومن بعد في انتخاب نظام واحد من النظامات الغير المتناهية أو بعض أجزاء ما اختاره من دون إيجاب شئ عليه سبحانه، فيبطل ما قيل من أن النظام الموجود مطابق للنظام الشريف الرباني والنظام الرباني مطابق لهذا النظام. وضرورة تطابق العلم والمعلوم، تقتضي تعين علمه تعالى بهذا النظام فقط. وهو عين تحديد علمه تعالى، وبالمآل تحديده سبحانه بهذا النظام. وهذا مستحيل بالضرورة ومخالف لما عليه ضرورة الكتاب والسنة.
فإن قلت: إذا كان حدوث العالم عن قدرته واختياره، فما المرجح لأصل الإيجاد بعد ما لم يكن؟ وما المرجح لتخصيص واحد من النظامات الحسنى الغير المتناهية؟ وما المرجح في تبديل ما اختاره أولا وإذهاب الخلق الأول وإتيان خلق جديد مكانه؟ ولا يكفي في المرجح - أي مرجح كان - إلا أن ينتهي إلى مرجح ذاتي.
قلت: لا كلام في قبح اختيار المرجوح وكذلك اختيار شئ لا رجحان له أصلا. فلا يجوز على الفاعل القادر الحكيم اختيار شئ منهما. وقد تشبث الأشاعرة - على ما نسب إليهم - في إثبات جواز الترجيح من غير مرجح بمثل الهارب من أحد