أقول: من أراد أن يعرف طريق التذكر إلى العقل وأحكامه وجنوده، فعليه أن يتأمل ويتدبر في آيات القرآن الكريم، فإنه سبحانه قد أتى بأنواع من البيان وأنحاء من التعبير في الرغبة والرهبة، والرجاء والخوف، والخشية والتقوى، والنصيحة والصلاح والسداد، والصبر والوفاء، والثبات والاستقامة، سواء كان من الأفراد العادية أو من أعاظم الرجال من الصديقين والراسخين والقانتين والصالحين والمخبتين، فيتذكر كل منهم على قدر ما يجد من نور العقل.
ب - مدركات العقل روى الكليني مسندا عن الحسن بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
... وعرفوا به (بالعقل) الحسن من القبيح. (1) وروى الصدوق عن أحمد بن محمد بن عيسى مسندا عن عمر بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله سئل مما خلق الله جل جلاله العقل؟ قال:
... فيقع في قلب هذا الإنسان نور فيفهم الفريضة والسنة والجيد والردي. ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت. (2) أقول: قوله صلى الله عليه وآله: " الفريضة " الظاهر أن المراد منها الواجبات الذاتية العقلية: أي: الواجبات التي ليس وجوبها بجعل جاعل وتشريع شارع. وهذه من الأحكام الثابتة التي لا تقبل النسخ والتبديل ووجوبها ليس مستندا إلى أمر خارج عن ذات هذا الفعل، مثل حسن العدل ووجوبه، وكذلك المحرمات الذاتية، مثل قبح الظلم وحرمته. فإن هذا الوجوب والحرمة لا يعلل إلا بذات العقل، فيكشف عنهما العقل بالضرورة.