كنت وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك. (1) بيان: الأخبار الشريفة التي تلوناها عليك، صريحة في أن الله سبحانه متفرد ومتوحد بالأزلية ليس في عرضه سبحانه شئ. وكذلك لم يكن شئ في طوله معه أيضا. ثم أحدث واخترع تعالى الخلق. وهذا الاختراع والإحداث لم يكن مسبوقا بشئ. فإذن لا يزال يكون هذا الشئ مع الله سبحانه وهذا خلف واضح. واستشهد تعالى بهذا الإحداث والاختراع والابتداع على تفرده وتوحده في الأزلية. وفي معنى هذه الأفعال كلها دلالة وشهادة على أن إيجاد العالم على نحو الحدوث الحقيقي، أي المسبوقية بالعدم الصريح. وفيها دلالة أيضا على بطلان ما قيل: إن صدور العالم عن الله سبحانه على نحو العلية والمعلولية. وإن علمه تعالى علة لهذا النظام المحدود من دون فرق بين أوله وآخره الذي لا منتهى له. فيصدر هذا النظام الذي افترضوه عن علمه تعالى من دون فرق بين أوله وآخره. أي: كما أن أول النظام معلول لعلمه تعالى، كذلك آخره أيضا معلول له بلا فرق بينهما.
قال المولى صدر الدين الشيرازي: " نعم، القادر له أقسام،... ومنها الفاعل بالعناية. وهو الذي منشأ فاعليته وعلة صدور الفعل عنه والداعي له على الصدور مجرد علمه بنظام الفعل والجود، لا غيره من الأمور الزائدة على نفس العلم، كما في الواجب جل ذكره عند حكماء المشائين. ومنها الفاعل بالرضا وهو الذي منشأ فاعليته ذاته العالمة لا غير، ويكون علمه بمجعوله عين هوية مجعوله، كما أن علمه بذاته الجاعلة عين ذاته، كالواجب تعالى عند الإشراقيين ". (2) وقال أيضا: " فإذا علمت أقسام الفاعل، فاعلم أنه ذهب جمع من الطباعية والدهرية - خذلهم الله تعالى - إلى أن مبدأ الكل فاعل بالطبع، وجمهور الكلاميين إلى أنه فاعل بالقصد، والشيخ الرئيس وفاقا لجمهور المشائين إلى أن فاعليته